ألفية ابن مالك في النحو
السبت، 13 مايو 2017
الخميس، 9 فبراير 2017
أفعال المقاربة والرجاء والشروع
أفعال المقاربة والرجاء والشروع
ككان كاد وعسى لكن ندَرْ * غيرُ مضارع لهذين خبرْ.
وكونُه بدون أن بعد عسى * نزرٌ وكاد الأمر فيه عُكسا.
وكعسى حرى ولكن جُعلا * خبرُها حتما بأن مُتصلا.
وألزموا اخلولق أن مثل حرى * وبعد أوشك انتفا أن نزُرا.
(ككان كاد وعسى) يعني أنها تعمل عملها فترفع المبتدأ
اسما وتنصب الخبر (لكن ندَرْ غيرُ مضارع لهذين خبرْ)
نحو: (وما كادوا يفعلون)، (فعسى الله أن يأتيَ بالفتح) (وكونُه بدون أن بعد عسى نزرٌ) أي قليل نحو قول الشاعر:
عسى الكربُ الذي أمسيت فيه يكونُ وراءه فرج قريب.
وقوله:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنه * له كل يوم في خليقته
أمر.
(وكاد الأمر فيه عُكسا) يعني قل مجيئه بأن نحو ما جاء في
الحديث قال عمر: " ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت
الشمس أن تغرب ". (وكعسى حرى ولكن جُعلا خبرُها حتما بأن مُتصلا) نحو: حرى زيد أن يجتهد (وألزموا اخلولق
أن مثل حرى) نحو: اخلولقت السماء أن تمطر (وبعد أوشك انتفا أن نزُرا) أي قل مجيئه بدون أن، نحو
قوله:
ولو سئل
الناس التراب لأوشكوا * إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا.
ومن مجيئه
بدون أن قوله:
يوشك من فر من منيته * في بعض غِراته يوافقها.
ومثلُ كاد في الأصح كرَبا * وتركُ أن معْ ذي الشروع وجبا.
كأنشأ السائق يحدو وطفِقْ * كذا أخذت وجعلت وعلِقْ.
(ومثلُ كاد في الأصح كرَبا) ومنه قول الشاعر:
كرب القلب من جواه يذوب
* حين قالت الوشاة هند غضوب.
ومن مجيئه
بأن قوله:
سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما * وقد كربت
أعناقها أن تقطعا.
(وتركُ أن معْ ذي الشروع وجبا كأنشأ
السائق يحدو كذا أخذت وجعلت وعلِقْ) هذه أفعال الشروع أو الإنشاء نحو: طفق زيد يعملُ، أخذ يضحك،
جعل يبتسم، علِق يلعب.
واستعملوا مضارعا لأوشكا *
وكاد لا غير وزادوا موشكا.
بعد عسى اخلولق أوشكْ قد
يردْ * غنًى بأن يفعل عن ثان فُقد.
وجردنْ عسى أو ارفع مضمرا
* بها إذا اسمٌ قبلَها قد ذُكرا.
والفتحَ والكسرَ أجزْ في
السين من * نحو عسَيتُ وانتقا الفتح زُكن.
(واستعملوا مضارعا لأوشكا) نحو قوله:
يوشك من فر من منيته * في بعض غِراته يوافقها.
(وكاد لا غير) نحو: (يكاد
سنا برقه يذهب بالأبصار) (وزادوا موشكا) نحو
قوله:
فموشكةٌ أرضُنا أن تعودا
* خلاف الأنيس وَحوشا يبابا.
أي قفرا خاليا
ليس به أحد.
(بعد عسى اخلولق أوشكْ قد يردْ غنًى بأن يفعل عن ثان فُقد)
يعني أن هذه الأفعال الثلاثة تستعمل تامة فلا تحتاج إلى خبر، نحو: عسى أن يقوم، أوشك أن يموت،
اخلولق أن يأتي، فأن والفعل في هذه الحالة في محل
رفع فاعل، وهي رافعة لضمير على الفاعلية، ويجوز إظهاره: عسى
أن يقوم زيد، (وجردنْ عسى أو ارفع مضمرا بها إذا
اسمٌ قبلَها قد ذُكرا) نحو: الرجلان عسى أن يقوما،
أو عسيا أن يقوما. (والفتحَ
والكسرَ أجزْ في السين من نحو عسَيتُ وانتقا الفتح زُكن).
الجمعة، 3 فبراير 2017
فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس
فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس
إعمالَ ليس أُعملت ما دون إن * مع بقا النفي وترتيب زُكن،وسبقَ حرف جر اَو ظرف كما * بي أنت معنيًّا أجاز العلما.ورفعَ معطوف بلكن أو ببل * من بعد منصوب بما الزَم حيثُ حلّْ.وبعد ما وليس جر البا الخبرْ * وبعد لا ونفي كان قد يُجرّْ.(إعمالَ ليس أُعملت ما) نحو: (ما هذا بشرا) (ما
هنَّ أُمهاتِهم) (دون إن مع بقا النفي وترتيب زُكن) فإن زيدت إن بعدها،
أو انتقض النفي بإلا، أو تقدم الخبر على الاسم بطل عملها، نحو: " ما إن زيد مسافر "، (ما أنتم
إلا بشرٌ مثلنا)، "
ما مسافر زيد ". (وسبقَ
حرف جر اَو ظرف: كما بي أنت معنيًّا أجاز العلما) يعني أن معمول خبر ما لا
يجوز أن يتقدم على اسمها إلا إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا، نحو: " ما عندنا محمد مقيما ". وقد تتكرر ما للتأكيد
فتعمل: نحو:لا
يُنسِكَ الأسى تأسِّيا فما * ما من حِمام أحدٌ مستعصما.حمام: هي
الموت.
(ورفعَ معطوف بلكن أو ببل من بعد منصوب بما الزَم حيثُ حلّْ)
نحو: " ما محمد جالس لكن قائم، أو بل قائم "، وتقول: " ما
محمد قاعدا ولا خارجا، أو ولا خارج "،
والتقدير ولا هو خارج. (وبعد ما وليس جر البا الخبرْ) نحو: (وما الله بغافل عما تعملون) (أليس الله بكافٍ عبدَه) (وبعد
لا ونفي كان قد يُجرّْ) ومنه قول الشاعر:فكُن لي
شفيعا يومَ لا ذو شفاعة * بِمُغْنٍ فتيلا عن
سواد بن قارب.وقول
آخر:وإن مُدت
الأيدي إلى الزاد لم أكن * بأعجلِهم إذ أجشع القوم
أعجلُ.في النكرات أُعملت كليس لا * وقد تلي لات وإن ذا العملا.وما للات في سوى حينٍ عملْ * وحذفُ ذي الرفع فشا والعكس قل.(في النكرات أُعملت كليس لا) نحو: " لا رجل قائما "، ومنه قوله:تعَزَّ فلا شيءٌ على
الأرض باقيا * ولا
وزرٌ مما قضى اللهُ واقيا. ومما ورد في
عملها في المعرفة قوله:وحلَّت
سوادَ القلب لا أنا باغيا * سواها ولا عن حبها متراخيا. (وقد تلي لات وإن ذا
العملا) نحو: (ولات حينَ مناص)، قال
الشاعر:إن هو مستولياً على أحد
* إلا على أضعف المجانين.
(وما للات في سوى حينٍ
عملْ) أي في أسماء الزمان، ومنه قوله:ندم
البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مندَمِ * والبغي مرتعُ
مبتغيه وخيمُ.(وحذفُ ذي
الرفع فشا والعكس قل) أي يحذف الاسم كثيرا، والتقدير لات الساعةُ ساعة
مندم، وقد يحذف الخبر، وقرئ قوله تعالى: (ولاتَ حينُ مناص)
أي لهم أو نحوه.
الخميس، 2 فبراير 2017
كان أخواتها
كان وأخواتها:
ترفع كان المبتدا اسما والخبرْ * تنصبه
ككان سيِّدا عُمرْ.
ككان ظل بات أضحى أصبحا * أمسى وصار ليس
زال برِحا،
فتِئ وانفكَّ، وهذي الأربعةْ * لشبه نفي
أو لنفي مُتْبَعَةْ.
ومثل كان دام مسبوقا بما * كأعط ما دُمت
مُصيبا درهما
(ترفع كان المبتدا اسما
والخبرْ تنصبه) هذه الأفعال تسمى بنواسخ الابتداء، وفيها أيضا الحروف،
وستأتي، (ككان سيِّدا عُمرْ) أي كان عمرُ سيدا،
أو كان محمد مريضا، (ككان
ظل) نحو: ظل زيد جائعا، أي طول نهاره (بات) نحو بات زيد قانتا،
أي طول ليله (أضحى) نحو: أضحى زيد مسرورا، أي في
وقت الضحى (أصبحا) نحو: أصبح
الجو صحوا، أي في وقت الصبح (أمسى) نحو: أمسى محمد حزينا، أي في
وقت المساء (وصار) نحو: صار
زيد فقيها، أي تحول إلى هذه الحال (ليس) نحو: ليس الأمر معقولا، تفيد
النفي (زال) نحو: ما
زال زيد مريضا، (برِحا) ما برح زيد
مجاهدا، (فتِئ) ما فتئ (وانفكَّ) ما انفك عمرو ظالما، (وهذي
الأربعةْ لشبه نفي أو لنفي مُتْبَعَةْ)
والمراد بشبه النفي النهي نحو قول الشاعر:
صاحِ شمر
ولا تزل ذاكرَ المـــــــــوت فنسيانه ضلال مبين،
وقد جاء
في القرآن: (تالله تفتأُ تذكر يوسف) أي لا تفتأ،
ولا يحذف النفي معها قياسا إلا مع القسم، وشذ الحذف في قول الشاعر:
وأبرَحُ ما أدام الله قومي * بحمد الله منتطِقا مُجيدا.
(ومثل كان
دام مسبوقا بما) أي ما المصدرية الظرفية (كأعط ما دُمت مُصيبا
درهما) أي مدة دوامك مصيبا، ومنه قوله
تعالى: (ما دُمت حيا)،
وغيرُ ماض مثلَه قد عملا * إن كان غيرُ الماضِ منه استُعملا.
وفي جميعها توسطَ الخبرْ * أجِزْ، وكلٌّ سبقَه دام حظَرْ.
كذاك سبقُ خبرٍ ما النافيةْ * فجِئْ بها متلُوَّةً لا تاليَةْ.
ومنعُ سبق خبرٍ ليس اصطُفي * وذو تمام ما برفع يكتفي،
وما سواه ناقص والنقصُ في * فتئ ليس زال دائما قُفي.
(وغيرُ ماض مثلَه قد عملا إن كان غيرُ الماضِ منه استُعملا)
الأفعال التي تتصرف، وهي ما عدا: ليس ودام، وزال وبرح
وفتئ وانفك، نحو: (وتكونوا شهداء على الناس)
(كونوا قوامين بالقسط)، وقال الشاعر:
وما كل
من يُبدي البشاشةَ كائنا * أخاك إذا لم تُلفِه لك
مُنجدا.
وقال
الشاعر:
ببذلٍ
وحِلمٍ ساد في حلمه الفتى * وكونك إياه عليك
يسيرُ.
(وفي جميعها توسطَ
الخبرْ أجِزْ) نحو قوله تعالى: (وكان حقا علينا
نصر المؤمنين). وقال الشاعر:
سلي إن
جهِلت الناس عنا وعنهمُ * فليس سواءً عالمٌ وجهول.
وقال
آخر:
لا طِيب
للعيش ما دامت منغَّصةً * لذاتُه بادِّكار الموت
والهرم.
(وكلٌّ سبقَه دام حظَرْ) ظاهره عدم جواز: لا أكلمك ما عابسا دام وجهك، والصواب جوازه، والذي لا
يجوز: لا أكلمك عابسا ما دام وجهك، (كذاك سبقُ خبرٍ ما النافيةْ، فجِئْ بها متلُوَّةً لا تاليَةْ)
نحو: ما قائما كان زيد، ولا يجوز: قائما ما كان
زيد، ويجوز نحو: قائما لم يزل زيد، حيث يكون النفي
بغير ما. (ومنعُ سبق خبرٍ ليس اصطُفي) فلا تقول:
صالحا ليس زيد، ويجوز تقدم معمول الخبر على ليس، ومنه قوله تعالى: (ألا يومَ
يأتيهم ليس مصروفا عنهم)
(وذو تمام ما برفع يكتفي) يعني أن هذه
الأفعال تنقسم إلى قسمين: ما يكون ناقصا وتاما حيث يكتفي بمرفوعه، نحو: (وإن كان ذو عسرة) أي إن وُجد، وقوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض)، وقوله: (فسبحان الله حين تُمسون وحين تُصبحون) (وما سواه ناقص، والنقصُ في فتئ ليس زال دائما قُفي) أي تُبع، معناه أن
الأفعال التي تكون ناقصة فحسب هي: ليس، ما فتئ لا زال.
ولا يلي العاملَ معمولُ الخبرْ * إلا إذا
ظرفاً أتى أو حرف جرّْ.
ومُضمرَ الشأن اسما انوِ إن وقعْ *
موهِمُ ما استبان أنه امتنع.
(ولا يلي العاملَ معمولُ
الخبرْ إلا إذا ظرفاً أتى أو حرف جرّْ) نحو: كان
عندك محمد جالسا، كان في الدار زيد قائما، ولا يجوز نحو: كان حقَّك عمرٌو مُضيعا،
ويجوز كان عمرو حقك مضيعا. وكذا يجوز: كان مضيعا
حقَّك عمرٌو، (ومُضمرَ الشأن اسما انوِ إن وقعْ موهِمُ
ما استبان أنه امتنع) وذلك
نحو: قول الشاعر:
قنافذُ
هداجون حول بيوتهم * بما كان إياهم عطيةُ عوَّدا.
الهدج:
المشي في ارتعاش، والتقدير: كان الشأن إياهم عطية عودا.
ونحوه
قول الشاعر:
فأصبحوا
والنَّوى عالي مُعرَّسِهم * وليسَ كلَّ النَّوَى تُلقي
المساكين.
والتقدير:
وليس الشأنُ كل النوى تُلقي المساكين.
وقد تُزاد كان في حشو كما * كان أصحَّ علمَ من تقدما،
ويَحذفونها ويُبقون الخبرْ * وبعدَ إنْ ولوْ كثيرا ذا اشتهرْ.
وبعدَ أنْ تعويضُ ما عنها ارتُكب * كمثل أمَّا أنت بَرا فاقترب.
ومن مُضارع لكان منجزم * تُحذَفُ نونٌ وهْو حذفٌ ما التُزم.
(وقد تُزاد كان في حشو) وذلك
نحو: جاء الذي كان عرفته، وتنقاس زيادتها بين ما التعجبية وفعلها (كما كان أصحَّ علمَ من تقدما) أي ما أصحَّ، وكان زائدة،
وسمعت زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله:
فكيف إذا
مررت بدار قوم * وجيران لنا كانوا كرام.
وشذت
زيادتها بين الجار والمجرور، نحو قوله:
سراة بني
أبي بكر تسامى * على كان المُسوَّمة العراب.
يعن أن
خيول بني أبي بكر تسمو قيمتها على من عداها من الخيول العربية، والمسومة: المعلمة.
(ويَحذفونها ويُبقون الخبرْ، وبعدَ إنْ ولوْ كثيرا ذا اشتهرْ)
نحو: ائتني بدابة ولو حمارا، أي ولو كان المأتيُّ
حمارا، وقول الشاعر:
قد قيل
ما قيل إن صدقا وإن كَذِبا * فما اعتذارك من قول
إذا قيل.
وشذ
حذفها بعد لدن، نحو قوله:
من لدُ شولا فإلى إتلائها * والتقدير ربيتها من
لدن أن كانت شولا، إلى حين يتبعها ولدها.
(وبعدَ أنْ تعويضُ ما عنها ارتُكب كمثل أمَّا أنت بَرا فاقترب)
والأصل: أن كنت برا فاقترب، فلما جيء بأما انفصل الضمير، ومنه قوله:
أبا
خراشةَ أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم
الضبُعُ.
والتقدير:
فخرت أن كنت ذا نفر. أي فخرت لأن كنت كذلك.
(ومن مُضارع لكان منجزم تُحذَفُ نونٌ وهْو حذفٌ ما التُزم)
نحو: قوله تعالى (وإن تكُ حسنة يضاعفها).
كان وأخواتها:
ترفع كان المبتدا اسما والخبرْ * تنصبه
ككان سيِّدا عُمرْ.
ككان ظل بات أضحى أصبحا * أمسى وصار ليس
زال برِحا،
فتِئ وانفكَّ، وهذي الأربعةْ * لشبه نفي
أو لنفي مُتْبَعَةْ.
ومثل كان دام مسبوقا بما * كأعط ما دُمت
مُصيبا درهما
(ترفع كان المبتدا اسما
والخبرْ تنصبه) هذه الأفعال تسمى بنواسخ الابتداء، وفيها أيضا الحروف،
وستأتي، (ككان سيِّدا عُمرْ) أي كان عمرُ سيدا،
أو كان محمد مريضا، (ككان
ظل) نحو: ظل زيد جائعا، أي طول نهاره (بات) نحو بات زيد قانتا،
أي طول ليله (أضحى) نحو: أضحى زيد مسرورا، أي في
وقت الضحى (أصبحا) نحو: أصبح
الجو صحوا، أي في وقت الصبح (أمسى) نحو: أمسى محمد حزينا، أي في
وقت المساء (وصار) نحو: صار
زيد فقيها، أي تحول إلى هذه الحال (ليس) نحو: ليس الأمر معقولا، تفيد
النفي (زال) نحو: ما
زال زيد مريضا، (برِحا) ما برح زيد
مجاهدا، (فتِئ) ما فتئ (وانفكَّ) ما انفك عمرو ظالما، (وهذي
الأربعةْ لشبه نفي أو لنفي مُتْبَعَةْ)
والمراد بشبه النفي النهي نحو قول الشاعر:
صاحِ شمر
ولا تزل ذاكرَ المـــــــــوت فنسيانه ضلال مبين،
وقد جاء
في القرآن: (تالله تفتأُ تذكر يوسف) أي لا تفتأ،
ولا يحذف النفي معها قياسا إلا مع القسم، وشذ الحذف في قول الشاعر:
وأبرَحُ ما أدام الله قومي * بحمد الله منتطِقا مُجيدا.
(ومثل كان
دام مسبوقا بما) أي ما المصدرية الظرفية (كأعط ما دُمت مُصيبا
درهما) أي مدة دوامك مصيبا، ومنه قوله
تعالى: (ما دُمت حيا)،
وغيرُ ماض مثلَه قد عملا * إن كان غيرُ الماضِ منه استُعملا.
وفي جميعها توسطَ الخبرْ * أجِزْ، وكلٌّ سبقَه دام حظَرْ.
كذاك سبقُ خبرٍ ما النافيةْ * فجِئْ بها متلُوَّةً لا تاليَةْ.
ومنعُ سبق خبرٍ ليس اصطُفي * وذو تمام ما برفع يكتفي،
وما سواه ناقص والنقصُ في * فتئ ليس زال دائما قُفي.
(وغيرُ ماض مثلَه قد عملا إن كان غيرُ الماضِ منه استُعملا)
الأفعال التي تتصرف، وهي ما عدا: ليس ودام، وزال وبرح
وفتئ وانفك، نحو: (وتكونوا شهداء على الناس)
(كونوا قوامين بالقسط)، وقال الشاعر:
وما كل
من يُبدي البشاشةَ كائنا * أخاك إذا لم تُلفِه لك
مُنجدا.
وقال
الشاعر:
ببذلٍ
وحِلمٍ ساد في حلمه الفتى * وكونك إياه عليك
يسيرُ.
(وفي جميعها توسطَ
الخبرْ أجِزْ) نحو قوله تعالى: (وكان حقا علينا
نصر المؤمنين). وقال الشاعر:
سلي إن
جهِلت الناس عنا وعنهمُ * فليس سواءً عالمٌ وجهول.
وقال
آخر:
لا طِيب
للعيش ما دامت منغَّصةً * لذاتُه بادِّكار الموت
والهرم.
(وكلٌّ سبقَه دام حظَرْ) ظاهره عدم جواز: لا أكلمك ما عابسا دام وجهك، والصواب جوازه، والذي لا
يجوز: لا أكلمك عابسا ما دام وجهك، (كذاك سبقُ خبرٍ ما النافيةْ، فجِئْ بها متلُوَّةً لا تاليَةْ)
نحو: ما قائما كان زيد، ولا يجوز: قائما ما كان
زيد، ويجوز نحو: قائما لم يزل زيد، حيث يكون النفي
بغير ما. (ومنعُ سبق خبرٍ ليس اصطُفي) فلا تقول:
صالحا ليس زيد، ويجوز تقدم معمول الخبر على ليس، ومنه قوله تعالى: (ألا يومَ
يأتيهم ليس مصروفا عنهم)
(وذو تمام ما برفع يكتفي) يعني أن هذه
الأفعال تنقسم إلى قسمين: ما يكون ناقصا وتاما حيث يكتفي بمرفوعه، نحو: (وإن كان ذو عسرة) أي إن وُجد، وقوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض)، وقوله: (فسبحان الله حين تُمسون وحين تُصبحون) (وما سواه ناقص، والنقصُ في فتئ ليس زال دائما قُفي) أي تُبع، معناه أن
الأفعال التي تكون ناقصة فحسب هي: ليس، ما فتئ لا زال.
ولا يلي العاملَ معمولُ الخبرْ * إلا إذا
ظرفاً أتى أو حرف جرّْ.
ومُضمرَ الشأن اسما انوِ إن وقعْ *
موهِمُ ما استبان أنه امتنع.
(ولا يلي العاملَ معمولُ
الخبرْ إلا إذا ظرفاً أتى أو حرف جرّْ) نحو: كان
عندك محمد جالسا، كان في الدار زيد قائما، ولا يجوز نحو: كان حقَّك عمرٌو مُضيعا،
ويجوز كان عمرو حقك مضيعا. وكذا يجوز: كان مضيعا
حقَّك عمرٌو، (ومُضمرَ الشأن اسما انوِ إن وقعْ موهِمُ
ما استبان أنه امتنع) وذلك
نحو: قول الشاعر:
قنافذُ
هداجون حول بيوتهم * بما كان إياهم عطيةُ عوَّدا.
الهدج:
المشي في ارتعاش، والتقدير: كان الشأن إياهم عطية عودا.
ونحوه
قول الشاعر:
فأصبحوا
والنَّوى عالي مُعرَّسِهم * وليسَ كلَّ النَّوَى تُلقي
المساكين.
والتقدير:
وليس الشأنُ كل النوى تُلقي المساكين.
وقد تُزاد كان في حشو كما * كان أصحَّ علمَ من تقدما،
ويَحذفونها ويُبقون الخبرْ * وبعدَ إنْ ولوْ كثيرا ذا اشتهرْ.
وبعدَ أنْ تعويضُ ما عنها ارتُكب * كمثل أمَّا أنت بَرا فاقترب.
ومن مُضارع لكان منجزم * تُحذَفُ نونٌ وهْو حذفٌ ما التُزم.
(وقد تُزاد كان في حشو) وذلك
نحو: جاء الذي كان عرفته، وتنقاس زيادتها بين ما التعجبية وفعلها (كما كان أصحَّ علمَ من تقدما) أي ما أصحَّ، وكان زائدة،
وسمعت زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله:
فكيف إذا
مررت بدار قوم * وجيران لنا كانوا كرام.
وشذت
زيادتها بين الجار والمجرور، نحو قوله:
سراة بني
أبي بكر تسامى * على كان المُسوَّمة العراب.
يعن أن
خيول بني أبي بكر تسمو قيمتها على من عداها من الخيول العربية، والمسومة: المعلمة.
(ويَحذفونها ويُبقون الخبرْ، وبعدَ إنْ ولوْ كثيرا ذا اشتهرْ)
نحو: ائتني بدابة ولو حمارا، أي ولو كان المأتيُّ
حمارا، وقول الشاعر:
قد قيل
ما قيل إن صدقا وإن كَذِبا * فما اعتذارك من قول
إذا قيل.
وشذ
حذفها بعد لدن، نحو قوله:
من لدُ شولا فإلى إتلائها * والتقدير ربيتها من
لدن أن كانت شولا، إلى حين يتبعها ولدها.
(وبعدَ أنْ تعويضُ ما عنها ارتُكب كمثل أمَّا أنت بَرا فاقترب)
والأصل: أن كنت برا فاقترب، فلما جيء بأما انفصل الضمير، ومنه قوله:
أبا
خراشةَ أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم
الضبُعُ.
والتقدير:
فخرت أن كنت ذا نفر. أي فخرت لأن كنت كذلك.
(ومن مُضارع لكان منجزم تُحذَفُ نونٌ وهْو حذفٌ ما التُزم)
نحو: قوله تعالى (وإن تكُ حسنة يضاعفها).
الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016
المبتدأ والخبر
مبتدأٌ زيد وعــــــاذر خبرْ * إن قلتَ: زيدٌ عاذرٌ
مـن اعتذرْ
وأولٌ مبتدَأٌ والثـــــــاني * فـــاعلٌ اغْنَى في:
أسارٍ ذّانِ
وقِسْ وكاستفهامٍ النفيُ وقـــد * يجــوز نحو: فائزٌ
أولوا الرشَدْ
والثــانِ مبتداً وذا الوصفُ خبر * إن في سوى الإفراد
طِبقا استقرّْ
(مبتدأٌ زيد وعاذر خبرْ إن قلتَ:
زيدٌ عاذرٌ من اعتذرْ) ذكر أن الْمُبتدأ قسمان: قسم له خبر، نحو: "الجنة حق"، والقسم الآخر، وهو المبتدأ الذي له
فاعل يُغني عن الخبر، أو يسُد مسدَّ الخبر ، وهو المراد بقوله: (وأولٌ مبتدَأٌ والثاني فاعلٌ اغْنَى في: أسارٍ ذّانِ)
فالهمزة حرف استفهام، سار مبتدأ، ذان: اسم إشارة فاعل الوصف سد مسد الخبر، ونحوه: أصادق أنتما؟ أمسافرٌ
أخواك، كيفَ قادمٌ أنتم؟ غير صادقان أنتما؟ ليس
مسافر المحمدان؟ ما قائم هم؟
ومنه قوله: * غيرُ لاهٍ عِداك
فاطَّرح اللهوَ ولا تغترِرْ بعارضِ سِلمِ *
ومنه قوله: * أمُنجِزٌ أنتم
عهداً وثِقتُ به * أم اقتفيتم جميعا نَهج عرقوبِ *
والمراد بالمثال كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي، ورفع اسما
ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وتم الكلام بالمرفوع، فأما نحو قولنا: أصادق أخواك عمرو؟ فصادق: خبر مقدم، وأخواك فاعله،
وعمرو: مبتدأ مؤخر.
(وقِسْ) أي وقس على هذا
المثال ما أشبهه (وكاستفهامٍ النفيُ) كما تقدم
في الأمثلة (وقد يجوز نحو: فائزٌ أولوا الرشَدْ)
أي يجوز أن يكون الوصف مبتدأ ويرفع فاعلا يغني عن الخبر، من غير اعتماد على نفي أو
استفهام، وهذا مذهب الكوفيين،
ومنه قوله: فخيرٌ نحن عند
الناس منكم * إذا الداعي المثوِّب قال يا لا *. أي يا لَفلان، والمثوب: هو الذي
يشير بثوبه من بعيد ليرى، لأنه لا يستطيع الإسماع من بعيد.
ومنه قوله: خبيرٌ بنو لِهْب
فلا تكُ مُلغيا * مقالة لِهبي إذا الطيرُ مرتِ *. أي إذا زجروا الطير تفاؤلا أو
تشاؤما.
(والثانِ مبتداً وذا الوصفُ خبر،
إن في سوى الإفراد طِبقا استقرّْ) وذلك
نحو: أقائمان الرجلان، أجالسون
أنتم؟ وأما نحو: أصادقٌ أنت؟ فيجوز أن يكون
صادق مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، ويجوز أيضا أن يكون صادق خبرا مقدما وأنت
مبتدأ مؤخرا، وقد يجب أحد الإعرابين حسب السياقات، فمثلا قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم)، يجب فيها الإعراب
الأول، فيكون رراغب مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، لأنا إذا جعلنا راغب خبرا
مقدما وأنت مبتدأ مؤخرا، لزم عليه الفصل بين راغب ومعموله وهو: "عن
آلهتي" بأجنبي، وهو "أنت"، لأن الخبر لا عمل له في المبتدأ.
ورفعــوا مبتداً بالابتدا * كـذاك رفعُ خبر
بالمبتدا
والخبر الجزءُ المُتِمُّ الفائدةْ * كاللهُ بَرٌّ والأيادي
شاهدة
(ورفعوا مبتداً بالابتدا)
يرفع المبتدأ بالابتداء بِه، فيبقى على أصله وهو الرفع، إلا إذا دخلت عليه عوامل
لفظية زائدة، فيشتغل المحل بالحركة المناسبة للحرف الزائد عن الضمة، نحو: بحسبِكَ درهمٌ، رب
امرأة خير من رجل، (كذاك رفعُ خبر بالمبتدا)
يعني أن الخبر يرفع بالمبتدأ، فالعامل فيه لفظي. (والخبر
الجزءُ المُتِمُّ الفائدةْ) أي الذي يتم فائدة الكلام (كاللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة) والأيادي هي النعم، أي
أن النعم تشهد على إحسانه إلى عباده.
ومفردا يــأتي ويأتي جملة * حاويةً معنى الذي سيقت
له
وإن تكن إيـاه معنى اكتفى * بها كنطقي الله حسبي
وكفى
(ومفردا يـأتي) أي الخبر
نحو: محمد مريض، (ويأتي
جملة) نحو: زيد أبوه مريض (حاويةً معنى الذي سيقت له) أي أنه لا بد لها من رابط
يربطها بالمبتدأ، كالضمير ظاهرا نحو: زيد مرض أخوه،
أو مقدرا نحو: البُرُّ مد بدرهم، أي مد منه،
أو بالإشارة: نحو قوله تعالى: (ولباسُ التقوى ذلك خير)،
وفي نحو: الحاقة ما الحاقة؟ ونحو: محمد نعم الرجل، أو تكون جملة الخبر هي المبتدأَ في
المعنى، وهو المراد بقوله: (وإن تكن إيـاه معنى اكتفى
بِها) أي عن الرابط (كنطقي الله حسبي وكفى)
أي وكفى به.
والمفرد الجامد فارغ وإن * يُشتَقَّ فهو ذو ضمير
مستكن
وأبرزنْه مطلَقا حيثُ تلا * مـــا ليس معناه له محصَّلا
(والمفرد الجامد) نحو: محمد أخوك، (فارغ)
أي من الضمير، إلا إذا تضمن معنى المشتق، نحو: محمد أسد،
أي شجاع، فإنه يتحمل الضمير، والتقدير: محمد أسد هو، (وإن
يُشتَقَّ فهو ذو ضمير مستكن) أي مستتر، نحو: محمد
صادق، أي هو، وهو مرفوع به على أنه فاعل أو توكيد للضمير المستتر فيه، وهذا
إذا لم يرفع اسما ظاهرا، نحو: محمد صادق أخوه.
وأيضا إذا كان المشتق لا يجري مجرى الفعل كاسم الآلة واسم الزمان والمكان، فإنه لا
يتحمل الضمير، نحو: هذا مفتاح، من الفتح، هذا مرماك، من الرمي. (وأبرزنْه)
أي الضمير (مطلَقا) أي سواء أمن اللبس أو لم
يؤمن (حيثُ تلا ما ليس معناه له محصَّلا) أي
حيث يجري الخبر على غير من هو له، نحو: محمد فاطمة
مُعينها هو، ومحمد علي مرشده هو، فاللبس
مأمون في المثال الأول، فيجوز على مذهب الكوفيين إبراز الضمير واستتاره،
وأما في المثال الثاني فلم يؤمن اللبس، فلا يدرى أيهما المرشد للآخر، فلما أبرز
الضمير، دل على أن المرشد هو محمد، ولكن مذهب البصريين وجوب إبراز الضمير في كلتا
الحالين. قال في الكافية:
وإن تلا غيرَ الــــذي تعلقا * بـه فأبرز الضميرَ مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن * لا يؤمن اللَّبس ورأيهم حس
وقد ورد ما يؤيد مذهبهم، قال الشاعر:
قومي ذُرا المجد بانوها وقد
علمتْ * بكُنه ذلك عَدنانٌ وقحطانُ
أي بانوها هم، فحذف الضمير لأمن اللبس.
وأخبروا بظرف اَو بحرف جرّْ * ناوين معنى كائنٍ أو استقرّْ
ولا يكـون اسمُ زمان خبراَ * عن جُثَّةٍ وإن يُفدْ فأخبِرا
(وأخبروا بظرف) نحو: محمدٌ عندَك،
(اَو بحرف جرّْ) نحو: محمد في المسجد (ناوين معنى كائنٍ أو
استقرّْ) يعني أن الظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف مقدر، وقد يذكر كما
في قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده) وقول
الشاعر:
لك العزُّ إن مولاك عزَّ وإن يَهُن * فأنت لدى بُحبوحة الهُون كائنُ،
والبحبوحة: الوسط، وقد
يكون هذا المتعلق واجب الذكر إذا لم تدل عليه قرينة.
(ولا يكون اسمُ زمان خبراَ عن
جُثَّةٍ) يكون اسم المكان خبرا عن اسم الجثة واسم المعنى معا نحو: محمد عندَك، والمُقام عندك،
وأما اسم الزمان فيخبر به عن المعنى نحو: السفر يوم
الخميس، ولا يخبر به عن الجثة إلا إذا أفاد، فلا تقول محمد يوم الخميس، (وإن يُفدْ فأخبِرا) يعني إذا أفاد جاز، وذلك حيث
يتأول على اسم المعنى، نحو: الليلة الهلال، أي
طلوعه.
ولا يجو الابتدا بالنكرةْ * ما لم تُفدْ كعندَ زيد
نَمِرةْ
وهل فتًى فيكم؟ فما خِلٌّ لنا * ورجلٌ من الكرام
عندنا،
ورغبةٌ في الخير خير، وعملْ * برٍّ يزينُ ولْيُقَسْ
ما لم يُقَلْ.
(ولا يجو
الابتدا بالنكرةْ) فلا تقول: " رجل قائم "، (ما لم تُفدْ كعندَ زيد نَمِرةْ) يعني إذا أفادت النكرة
جاز الابتداء بها، وذلك إذا تقدم عليها الظرف أو الجار والمجرور كما في المثال،
ونحو: " في الدار رجلٌ " (وهل فتًى فيكم؟) أي إذا تقدم على النكرة استفهام (فما خِلٌّ لنا) إذا تقدم على النكرة نفي (ورجلٌ من الكرام عندنا) أي رجل
كريم عندنا، إذا كانت النكرة موصوفة، وقد يكون الوصف مفهوما كما في " رُجيلٌ عندنا " لأن التصغير يفيد الوصف، ونحو:
" شيء جاء بك " أي شيء عظيم، وهذه يفهم
منها معنى الحصر، والتقدير: ما جاء بك إلا شيء، وما التعجبية أيضا فيها معنى
الوصف، نحو: " ما أحسن زيدا "، أي شيء
عظيم أحسنه. (ورغبةٌ في الخير خير) إذا كانت
النكرة عاملة (وعملُ برٍّ يزينُ) أي أن تكون
مضافة (ولْيُقَسْ ما لم يُقَلْ) أي أن ما لم يذكر
من مسوغات الابتداء بالنكرة يقاس على ما ذكر، كأن تكون بتقدير مضاف: نحو: " كل يموت " أي كل مخلوق، وقال الشاعر:
فأقبلت زحفا على الركبتين * فثوبٌ
لبست وثوبٌ أجرّْ؛
فالذي سوغ الابتداء بالنكرة هنا
التنويع، وروي بالنصب: فثوبا لبست، وقال تعالى: (سلام
عليكم) والمسوغ كونها دعاء، ومما يسوع الابتداء بالنكرة مجيئُها في سياق
التفضيل نحو: " مؤمن خير من كافر "، ومنها
أن تأتي بعد واو الحال، نحو:
سرينا ونجمٌ
قد أضاء فمُذْ بدا * مُحيَّاك أخفى ضوؤُه كل شارق؛
ومنها أن تكون معطوفة على معرفة أو
على وصف أو يعطف عليها موصوف نحو: " زيد ورجل قائمان
"، " يَمَنيٌّ ورجل قائمان "
" رجل وامرأة حسناء جالسان "، أو تأتي
في جواب الشرط نحو: " إن لم يحضر أخوك فرجل آخر يُعينك
"، أو تدخل على النكرة لام الابتداء، نحو: " لرجل قائم "، أو تكون شرطا نحو: " من يقم أقم معه "، أو تأتي بعد لولا، كقوله:
لولا اصطبار لأودى كل ذي مِقَة * لما استقلَّت
مطاياهن للظعَن.
والأصل في الأخبار أن تُؤخَّرا * وجوزوا التقديم إذ لا ضرَرا؛
فامنعه حين يستوى الجزآن * عُرْفا ونُكْرا عادمي
بيانِ،
كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا * أو قُصد استعمالُه منحصِرا،
أو كان مسنَدا لذي لام ابتدا * أو لازم الصدر كمن لي مُنجِدا.
(والأصل
في الأخبار أن تُؤخَّرا) نحو: محمد مريض، (وجوزوا التقديم إذ لا ضرَرا) نحو: " مريض محمد "، " مريضٌ
ابنُه محمدٌ "، (فامنعه حين يستوى الجزآن عُرْفا ونُكْرا، عادمي
بيانِ) نحو: زيد أخوك، فإذا قلت: أخوك زيد، صار المقدم مبتدأ، وهما مختلفان في المعنى،
لأننا في الأول أخبرنا عن زيد أن أخو المخاطب، وفي الثاني أخبرنا عن أخ المخاطب
أنه زيد أو اسمه زيد. فإذا قام دليل يدل على أن المقدم خبر جاز نحو قوله:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال
الأباعد،
فبنو أبنائنا هو المبتدأ وإن تأخر،
لأن المتكلم قصد الإخبار عن بني الأبناء بأنهم يشبهون الأبناء، وليس العكس. ونحوه
قوله:
كلام النبيين الهداة
كلامُنا * وأفعالَ أهل الجاهلية نفعل.
فكلامنا هو المبتدأ، والخبر كلام
النبيين الهداة.
(كذا إذا
ما الفعلُ كان الخبرا) ويكون ذلك رافعا لضمير المبتدأ نحو: " محمد سافر "، فلو قلت سافر محمد صار فعلا وفاعلا،
أما لو رفع اسما ظاهرا، جاز نحو: " سافر أخوه محمد ".
(أو قُصد استعمالُه منحصِرا) نحو: " ما محمد إلا رسول "، وقد جاء تقديمه في قوله:
فيا رب هل إلا بك النصرُ يرتجى * عليهم وهل إلا
عليك المعوَّلُ.
والأصل: هل النصر إلا بك يرتجى، وهل
المعول إلا عليك.
(أو كان
مسنَدا لذي لام ابتدا) نحو: " لزيد قائم "
وقد جاء التقديم شذوذا في قوله:
خالي لأنت ومن
جرير خالُه * ينَل العلاء ويكرُم الأخوالا.
(أو لازم
الصدر كمن لي مُنجِدا) كأسماء الاستفهام، كقوله:
إذا القومُ قالوا من فتى خِلتُ أنني * عُنيت فلم أكسَل ولم أتبلَّدِ.
ونحو عندي درهمٌ ولي
وطَرْ * ملتَزَمٌ فيه تقدمُ الخبرْ،
كذا إذا عاد عليه
مُضمَرُ * ممَّا بهِ عنهُ مُبينا يُخبَرُ،
كذا إذا يستوجِب
التصديرا * كأين من علِمتُه نصيرا،
وخبرَ المحصور قدمْ
أبدا * كما لنا إلا اتباعُ أحمدا.
(ونحو
عندي درهمٌ ولي وطَرْ) أي حيث يكون المبتدأ نكرة، ويتقدم عليها الظرف أو
الجار والمجرور (ملتَزَمٌ فيه تقدمُ الخبرْ)
إذ لا مسوغ للابتداء بالنكرة إلا أن يتقدم عليها الخبر (كذا
إذا عاد عليه مُضمَرُ ممَّا بهِ عنهُ مُبينا يُخبَرُ) أي أن يشتمل المبتدأ
على ضمير يعود على بعض الخبر، نحو: " في الدار
صاحبُها " فلا يجوز هنا تقدم المبتدأ لئلا يعود الضمير على متأخر في
اللفظ والرتبة، فيلتبس المعنى، فإذا قلت مثلا: " رأيت
هندا جالسة أما دار وفي الدار صاحبها " كان المعنى صاحب الدار، أما
إذا قلت: " رأيت هندا جالسة أما دار وصاحبها في
الدار "، وأنت تريد صاحب الدار لا يستقيم المعنى، لأنه يصير: وصاحب
هند في الدار، فلذلك لم يجوزوه، (كذا إذا يستوجِب
التصديرا: كأين من علِمتُه نصيرا) وذلك كأسماء الاستفهام (وخبرَ المحصور قدمْ أبدا كما لنا إلا اتباعُ أحمدا) ونحو:
" ما قائم إلا زيد ".
وحذف ما يُعلم جائز كما
* تقول زيدٌ بعد من عندكُما؟
وفي جواب كيف زيدٌ قل
دنِفْ * فزيدٌ استُغني عنه إذ عُرفْ.
(وحذف ما
يُعلم جائز، كما تقول زيدٌ بعد من عندكُما) والتقدير: زيد عندنا (وفي جواب كيف زيدٌ قل دنِفْ، فزيدٌ استُغني عنه إذ عُرفْ)
والتقدير: زيد دنف، أي شديد المرض، ومنه قول الشاعر:
نحن بما عندنا، وأنت
بما * عندك راض والرأي مختلف.
والتقدير: نحن بما عندنا راضون.
وبعد لولا غالبا حذفُ
الخبرْ * حتمٌ وفي نص يمين ذا استقرّْ،
وبعد واو عينت مفهومَ
معْ * كمثل كلُّ صانع وما صنع،
وقبل حال لا يكون خبرا
* عن الذي خبره قد أُضمرا:
كضربيَ العبدَ مسيئا
وأتمّْ * تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحكم.
وأخبروا باثنين أو
بأكثرا * عن واحد كهم سَراةٌ شُعرا.
(وبعد
لولا غالبا حذفُ الخبرْ حتمٌ) نحو: لولا زيد لهلكت
والتقدير: لولا زيد موجود، وقد ذكر جارا ومجرورا في قوله قوله:
لولا أبوك ولولا
قبلَه عمرُ * ألقتْ إليك معَدٌّ بالمقاليد.
فإن لم يدل دليل على الخبر وجب ذكره،
نحو: لولا زيدٌ شافع لي ما نجحت. ومنه قول الشاعر:
يذيب الرعب منه كل عَضْب * فلولا الغِمدُ يمسكه لسالا.
(وفي نص يمين ذا
استقرّْ) يعني حيث يكون المبتدأ نصا في اليمين، حيث يستعمل فيه في الغالب،
نحو: (لَعَمرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)، أي لعمرك
قسمي، ونحوه: يمينُ الله أو عهد الله لأكونن وفيا. (وبعد
واو عينت مفهومَ معْ: كمثل كلُّ صانع وما صنع) يعني أن يقع المبتدأ بعد واو
هي نص في المعية، نحو: كل رجل وعملُه، أي
متلازمان، فهو رهن به، ومثال ما ليس نصا: محمد وعلي قائمان (وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أُضمرا) بحيث
يكون المبتدأ مصدرا، أو مضافا إلى مصدر، (كضربيَ
العبدَ مسيئا) أي إذ كان مسيئا، فلا يجوز أن تقول مسيء، لأنا أخبرنا عن
الضرب ولم نخبر عن العبد، وأما نحو: زيد قائما، فتقديره: ثبت قائما يجوز ذكره
وحذفه (وأتمُّ تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحكم)
وأما المواضيع التي يحذف فيها المبتدأ
وجوبا فهي: النعت المقطوع إلى الرفع، نحو: مررت بزيد
النجارُ، أي هو النجارُ. وكذا حيث يكون الخبر مخصوص نعم وبئس، نحو: " نعم أو بئس الرجل عمرٌو "، أي هو عمرو، وحيث يكون
الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل، نحو: (فصبر جميل)، أي
فأمري صبر جميل، وكذا في نحو قولهم: في ذمتي لأفعلن،
والتقدير: في ذمتي يمين.
(وأخبروا
باثنين أو بأكثرا * عن واحد كهم سَراةٌ شُعرا) نحو: محمد مريض مهموم, ومنه قول تعالى: (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد)، ومنه
قول الشاعر:
من يكُ ذا بَتٍّ فهذا بتي * مقَيِّظٌ مُصيِّفٌ
مُشَتِّي.
وقوله: ينام بإحدى مُقلتيه ويتقي * بأخرى
المنايا فهْو يقظان هاجع.
مبتدأٌ زيد وعــــــاذر خبرْ * إن قلتَ: زيدٌ عاذرٌ
مـن اعتذرْ
وأولٌ مبتدَأٌ والثـــــــاني * فـــاعلٌ اغْنَى في:
أسارٍ ذّانِ
وقِسْ وكاستفهامٍ النفيُ وقـــد * يجــوز نحو: فائزٌ
أولوا الرشَدْ
والثــانِ مبتداً وذا الوصفُ خبر * إن في سوى الإفراد
طِبقا استقرّْ
(مبتدأٌ زيد وعاذر خبرْ إن قلتَ:
زيدٌ عاذرٌ من اعتذرْ) ذكر أن الْمُبتدأ قسمان: قسم له خبر، نحو: "الجنة حق"، والقسم الآخر، وهو المبتدأ الذي له
فاعل يُغني عن الخبر، أو يسُد مسدَّ الخبر ، وهو المراد بقوله: (وأولٌ مبتدَأٌ والثاني فاعلٌ اغْنَى في: أسارٍ ذّانِ)
فالهمزة حرف استفهام، سار مبتدأ، ذان: اسم إشارة فاعل الوصف سد مسد الخبر، ونحوه: أصادق أنتما؟ أمسافرٌ
أخواك، كيفَ قادمٌ أنتم؟ غير صادقان أنتما؟ ليس
مسافر المحمدان؟ ما قائم هم؟
ومنه قوله: * غيرُ لاهٍ عِداك
فاطَّرح اللهوَ ولا تغترِرْ بعارضِ سِلمِ *
ومنه قوله: * أمُنجِزٌ أنتم
عهداً وثِقتُ به * أم اقتفيتم جميعا نَهج عرقوبِ *
والمراد بالمثال كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي، ورفع اسما
ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وتم الكلام بالمرفوع، فأما نحو قولنا: أصادق أخواك عمرو؟ فصادق: خبر مقدم، وأخواك فاعله،
وعمرو: مبتدأ مؤخر.
(وقِسْ) أي وقس على هذا
المثال ما أشبهه (وكاستفهامٍ النفيُ) كما تقدم
في الأمثلة (وقد يجوز نحو: فائزٌ أولوا الرشَدْ)
أي يجوز أن يكون الوصف مبتدأ ويرفع فاعلا يغني عن الخبر، من غير اعتماد على نفي أو
استفهام، وهذا مذهب الكوفيين،
ومنه قوله: فخيرٌ نحن عند
الناس منكم * إذا الداعي المثوِّب قال يا لا *. أي يا لَفلان، والمثوب: هو الذي
يشير بثوبه من بعيد ليرى، لأنه لا يستطيع الإسماع من بعيد.
ومنه قوله: خبيرٌ بنو لِهْب
فلا تكُ مُلغيا * مقالة لِهبي إذا الطيرُ مرتِ *. أي إذا زجروا الطير تفاؤلا أو
تشاؤما.
(والثانِ مبتداً وذا الوصفُ خبر،
إن في سوى الإفراد طِبقا استقرّْ) وذلك
نحو: أقائمان الرجلان، أجالسون
أنتم؟ وأما نحو: أصادقٌ أنت؟ فيجوز أن يكون
صادق مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، ويجوز أيضا أن يكون صادق خبرا مقدما وأنت
مبتدأ مؤخرا، وقد يجب أحد الإعرابين حسب السياقات، فمثلا قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم)، يجب فيها الإعراب
الأول، فيكون رراغب مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، لأنا إذا جعلنا راغب خبرا
مقدما وأنت مبتدأ مؤخرا، لزم عليه الفصل بين راغب ومعموله وهو: "عن
آلهتي" بأجنبي، وهو "أنت"، لأن الخبر لا عمل له في المبتدأ.
ورفعــوا مبتداً بالابتدا * كـذاك رفعُ خبر
بالمبتدا
والخبر الجزءُ المُتِمُّ الفائدةْ * كاللهُ بَرٌّ والأيادي
شاهدة
(ورفعوا مبتداً بالابتدا)
يرفع المبتدأ بالابتداء بِه، فيبقى على أصله وهو الرفع، إلا إذا دخلت عليه عوامل
لفظية زائدة، فيشتغل المحل بالحركة المناسبة للحرف الزائد عن الضمة، نحو: بحسبِكَ درهمٌ، رب
امرأة خير من رجل، (كذاك رفعُ خبر بالمبتدا)
يعني أن الخبر يرفع بالمبتدأ، فالعامل فيه لفظي. (والخبر
الجزءُ المُتِمُّ الفائدةْ) أي الذي يتم فائدة الكلام (كاللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة) والأيادي هي النعم، أي
أن النعم تشهد على إحسانه إلى عباده.
ومفردا يــأتي ويأتي جملة * حاويةً معنى الذي سيقت
له
وإن تكن إيـاه معنى اكتفى * بها كنطقي الله حسبي
وكفى
(ومفردا يـأتي) أي الخبر
نحو: محمد مريض، (ويأتي
جملة) نحو: زيد أبوه مريض (حاويةً معنى الذي سيقت له) أي أنه لا بد لها من رابط
يربطها بالمبتدأ، كالضمير ظاهرا نحو: زيد مرض أخوه،
أو مقدرا نحو: البُرُّ مد بدرهم، أي مد منه،
أو بالإشارة: نحو قوله تعالى: (ولباسُ التقوى ذلك خير)،
وفي نحو: الحاقة ما الحاقة؟ ونحو: محمد نعم الرجل، أو تكون جملة الخبر هي المبتدأَ في
المعنى، وهو المراد بقوله: (وإن تكن إيـاه معنى اكتفى
بِها) أي عن الرابط (كنطقي الله حسبي وكفى)
أي وكفى به.
والمفرد الجامد فارغ وإن * يُشتَقَّ فهو ذو ضمير
مستكن
وأبرزنْه مطلَقا حيثُ تلا * مـــا ليس معناه له محصَّلا
(والمفرد الجامد) نحو: محمد أخوك، (فارغ)
أي من الضمير، إلا إذا تضمن معنى المشتق، نحو: محمد أسد،
أي شجاع، فإنه يتحمل الضمير، والتقدير: محمد أسد هو، (وإن
يُشتَقَّ فهو ذو ضمير مستكن) أي مستتر، نحو: محمد
صادق، أي هو، وهو مرفوع به على أنه فاعل أو توكيد للضمير المستتر فيه، وهذا
إذا لم يرفع اسما ظاهرا، نحو: محمد صادق أخوه.
وأيضا إذا كان المشتق لا يجري مجرى الفعل كاسم الآلة واسم الزمان والمكان، فإنه لا
يتحمل الضمير، نحو: هذا مفتاح، من الفتح، هذا مرماك، من الرمي. (وأبرزنْه)
أي الضمير (مطلَقا) أي سواء أمن اللبس أو لم
يؤمن (حيثُ تلا ما ليس معناه له محصَّلا) أي
حيث يجري الخبر على غير من هو له، نحو: محمد فاطمة
مُعينها هو، ومحمد علي مرشده هو، فاللبس
مأمون في المثال الأول، فيجوز على مذهب الكوفيين إبراز الضمير واستتاره،
وأما في المثال الثاني فلم يؤمن اللبس، فلا يدرى أيهما المرشد للآخر، فلما أبرز
الضمير، دل على أن المرشد هو محمد، ولكن مذهب البصريين وجوب إبراز الضمير في كلتا
الحالين. قال في الكافية:
وإن تلا غيرَ الــــذي تعلقا * بـه فأبرز الضميرَ مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن * لا يؤمن اللَّبس ورأيهم حس
وقد ورد ما يؤيد مذهبهم، قال الشاعر:
قومي ذُرا المجد بانوها وقد
علمتْ * بكُنه ذلك عَدنانٌ وقحطانُ
أي بانوها هم، فحذف الضمير لأمن اللبس.
وأخبروا بظرف اَو بحرف جرّْ * ناوين معنى كائنٍ أو استقرّْ
ولا يكـون اسمُ زمان خبراَ * عن جُثَّةٍ وإن يُفدْ فأخبِرا
(وأخبروا بظرف) نحو: محمدٌ عندَك،
(اَو بحرف جرّْ) نحو: محمد في المسجد (ناوين معنى كائنٍ أو
استقرّْ) يعني أن الظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف مقدر، وقد يذكر كما
في قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده) وقول
الشاعر:
لك العزُّ إن مولاك عزَّ وإن يَهُن * فأنت لدى بُحبوحة الهُون كائنُ،
والبحبوحة: الوسط، وقد
يكون هذا المتعلق واجب الذكر إذا لم تدل عليه قرينة.
(ولا يكون اسمُ زمان خبراَ عن
جُثَّةٍ) يكون اسم المكان خبرا عن اسم الجثة واسم المعنى معا نحو: محمد عندَك، والمُقام عندك،
وأما اسم الزمان فيخبر به عن المعنى نحو: السفر يوم
الخميس، ولا يخبر به عن الجثة إلا إذا أفاد، فلا تقول محمد يوم الخميس، (وإن يُفدْ فأخبِرا) يعني إذا أفاد جاز، وذلك حيث
يتأول على اسم المعنى، نحو: الليلة الهلال، أي
طلوعه.
ولا يجو الابتدا بالنكرةْ * ما لم تُفدْ كعندَ زيد
نَمِرةْ
وهل فتًى فيكم؟ فما خِلٌّ لنا * ورجلٌ من الكرام
عندنا،
ورغبةٌ في الخير خير، وعملْ * برٍّ يزينُ ولْيُقَسْ
ما لم يُقَلْ.
(ولا يجو
الابتدا بالنكرةْ) فلا تقول: " رجل قائم "، (ما لم تُفدْ كعندَ زيد نَمِرةْ) يعني إذا أفادت النكرة
جاز الابتداء بها، وذلك إذا تقدم عليها الظرف أو الجار والمجرور كما في المثال،
ونحو: " في الدار رجلٌ " (وهل فتًى فيكم؟) أي إذا تقدم على النكرة استفهام (فما خِلٌّ لنا) إذا تقدم على النكرة نفي (ورجلٌ من الكرام عندنا) أي رجل
كريم عندنا، إذا كانت النكرة موصوفة، وقد يكون الوصف مفهوما كما في " رُجيلٌ عندنا " لأن التصغير يفيد الوصف، ونحو:
" شيء جاء بك " أي شيء عظيم، وهذه يفهم
منها معنى الحصر، والتقدير: ما جاء بك إلا شيء، وما التعجبية أيضا فيها معنى
الوصف، نحو: " ما أحسن زيدا "، أي شيء
عظيم أحسنه. (ورغبةٌ في الخير خير) إذا كانت
النكرة عاملة (وعملُ برٍّ يزينُ) أي أن تكون
مضافة (ولْيُقَسْ ما لم يُقَلْ) أي أن ما لم يذكر
من مسوغات الابتداء بالنكرة يقاس على ما ذكر، كأن تكون بتقدير مضاف: نحو: " كل يموت " أي كل مخلوق، وقال الشاعر:
فأقبلت زحفا على الركبتين * فثوبٌ
لبست وثوبٌ أجرّْ؛
فالذي سوغ الابتداء بالنكرة هنا
التنويع، وروي بالنصب: فثوبا لبست، وقال تعالى: (سلام
عليكم) والمسوغ كونها دعاء، ومما يسوع الابتداء بالنكرة مجيئُها في سياق
التفضيل نحو: " مؤمن خير من كافر "، ومنها
أن تأتي بعد واو الحال، نحو:
سرينا ونجمٌ
قد أضاء فمُذْ بدا * مُحيَّاك أخفى ضوؤُه كل شارق؛
ومنها أن تكون معطوفة على معرفة أو
على وصف أو يعطف عليها موصوف نحو: " زيد ورجل قائمان
"، " يَمَنيٌّ ورجل قائمان "
" رجل وامرأة حسناء جالسان "، أو تأتي
في جواب الشرط نحو: " إن لم يحضر أخوك فرجل آخر يُعينك
"، أو تدخل على النكرة لام الابتداء، نحو: " لرجل قائم "، أو تكون شرطا نحو: " من يقم أقم معه "، أو تأتي بعد لولا، كقوله:
لولا اصطبار لأودى كل ذي مِقَة * لما استقلَّت
مطاياهن للظعَن.
والأصل في الأخبار أن تُؤخَّرا * وجوزوا التقديم إذ لا ضرَرا؛
فامنعه حين يستوى الجزآن * عُرْفا ونُكْرا عادمي
بيانِ،
كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا * أو قُصد استعمالُه منحصِرا،
أو كان مسنَدا لذي لام ابتدا * أو لازم الصدر كمن لي مُنجِدا.
(والأصل
في الأخبار أن تُؤخَّرا) نحو: محمد مريض، (وجوزوا التقديم إذ لا ضرَرا) نحو: " مريض محمد "، " مريضٌ
ابنُه محمدٌ "، (فامنعه حين يستوى الجزآن عُرْفا ونُكْرا، عادمي
بيانِ) نحو: زيد أخوك، فإذا قلت: أخوك زيد، صار المقدم مبتدأ، وهما مختلفان في المعنى،
لأننا في الأول أخبرنا عن زيد أن أخو المخاطب، وفي الثاني أخبرنا عن أخ المخاطب
أنه زيد أو اسمه زيد. فإذا قام دليل يدل على أن المقدم خبر جاز نحو قوله:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال
الأباعد،
فبنو أبنائنا هو المبتدأ وإن تأخر،
لأن المتكلم قصد الإخبار عن بني الأبناء بأنهم يشبهون الأبناء، وليس العكس. ونحوه
قوله:
كلام النبيين الهداة
كلامُنا * وأفعالَ أهل الجاهلية نفعل.
فكلامنا هو المبتدأ، والخبر كلام
النبيين الهداة.
(كذا إذا
ما الفعلُ كان الخبرا) ويكون ذلك رافعا لضمير المبتدأ نحو: " محمد سافر "، فلو قلت سافر محمد صار فعلا وفاعلا،
أما لو رفع اسما ظاهرا، جاز نحو: " سافر أخوه محمد ".
(أو قُصد استعمالُه منحصِرا) نحو: " ما محمد إلا رسول "، وقد جاء تقديمه في قوله:
فيا رب هل إلا بك النصرُ يرتجى * عليهم وهل إلا
عليك المعوَّلُ.
والأصل: هل النصر إلا بك يرتجى، وهل
المعول إلا عليك.
(أو كان
مسنَدا لذي لام ابتدا) نحو: " لزيد قائم "
وقد جاء التقديم شذوذا في قوله:
خالي لأنت ومن
جرير خالُه * ينَل العلاء ويكرُم الأخوالا.
(أو لازم
الصدر كمن لي مُنجِدا) كأسماء الاستفهام، كقوله:
إذا القومُ قالوا من فتى خِلتُ أنني * عُنيت فلم أكسَل ولم أتبلَّدِ.
ونحو عندي درهمٌ ولي
وطَرْ * ملتَزَمٌ فيه تقدمُ الخبرْ،
كذا إذا عاد عليه
مُضمَرُ * ممَّا بهِ عنهُ مُبينا يُخبَرُ،
كذا إذا يستوجِب
التصديرا * كأين من علِمتُه نصيرا،
وخبرَ المحصور قدمْ
أبدا * كما لنا إلا اتباعُ أحمدا.
(ونحو
عندي درهمٌ ولي وطَرْ) أي حيث يكون المبتدأ نكرة، ويتقدم عليها الظرف أو
الجار والمجرور (ملتَزَمٌ فيه تقدمُ الخبرْ)
إذ لا مسوغ للابتداء بالنكرة إلا أن يتقدم عليها الخبر (كذا
إذا عاد عليه مُضمَرُ ممَّا بهِ عنهُ مُبينا يُخبَرُ) أي أن يشتمل المبتدأ
على ضمير يعود على بعض الخبر، نحو: " في الدار
صاحبُها " فلا يجوز هنا تقدم المبتدأ لئلا يعود الضمير على متأخر في
اللفظ والرتبة، فيلتبس المعنى، فإذا قلت مثلا: " رأيت
هندا جالسة أما دار وفي الدار صاحبها " كان المعنى صاحب الدار، أما
إذا قلت: " رأيت هندا جالسة أما دار وصاحبها في
الدار "، وأنت تريد صاحب الدار لا يستقيم المعنى، لأنه يصير: وصاحب
هند في الدار، فلذلك لم يجوزوه، (كذا إذا يستوجِب
التصديرا: كأين من علِمتُه نصيرا) وذلك كأسماء الاستفهام (وخبرَ المحصور قدمْ أبدا كما لنا إلا اتباعُ أحمدا) ونحو:
" ما قائم إلا زيد ".
وحذف ما يُعلم جائز كما
* تقول زيدٌ بعد من عندكُما؟
وفي جواب كيف زيدٌ قل
دنِفْ * فزيدٌ استُغني عنه إذ عُرفْ.
(وحذف ما
يُعلم جائز، كما تقول زيدٌ بعد من عندكُما) والتقدير: زيد عندنا (وفي جواب كيف زيدٌ قل دنِفْ، فزيدٌ استُغني عنه إذ عُرفْ)
والتقدير: زيد دنف، أي شديد المرض، ومنه قول الشاعر:
نحن بما عندنا، وأنت
بما * عندك راض والرأي مختلف.
والتقدير: نحن بما عندنا راضون.
وبعد لولا غالبا حذفُ
الخبرْ * حتمٌ وفي نص يمين ذا استقرّْ،
وبعد واو عينت مفهومَ
معْ * كمثل كلُّ صانع وما صنع،
وقبل حال لا يكون خبرا
* عن الذي خبره قد أُضمرا:
كضربيَ العبدَ مسيئا
وأتمّْ * تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحكم.
وأخبروا باثنين أو
بأكثرا * عن واحد كهم سَراةٌ شُعرا.
(وبعد
لولا غالبا حذفُ الخبرْ حتمٌ) نحو: لولا زيد لهلكت
والتقدير: لولا زيد موجود، وقد ذكر جارا ومجرورا في قوله قوله:
لولا أبوك ولولا
قبلَه عمرُ * ألقتْ إليك معَدٌّ بالمقاليد.
فإن لم يدل دليل على الخبر وجب ذكره،
نحو: لولا زيدٌ شافع لي ما نجحت. ومنه قول الشاعر:
يذيب الرعب منه كل عَضْب * فلولا الغِمدُ يمسكه لسالا.
(وفي نص يمين ذا
استقرّْ) يعني حيث يكون المبتدأ نصا في اليمين، حيث يستعمل فيه في الغالب،
نحو: (لَعَمرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)، أي لعمرك
قسمي، ونحوه: يمينُ الله أو عهد الله لأكونن وفيا. (وبعد
واو عينت مفهومَ معْ: كمثل كلُّ صانع وما صنع) يعني أن يقع المبتدأ بعد واو
هي نص في المعية، نحو: كل رجل وعملُه، أي
متلازمان، فهو رهن به، ومثال ما ليس نصا: محمد وعلي قائمان (وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أُضمرا) بحيث
يكون المبتدأ مصدرا، أو مضافا إلى مصدر، (كضربيَ
العبدَ مسيئا) أي إذ كان مسيئا، فلا يجوز أن تقول مسيء، لأنا أخبرنا عن
الضرب ولم نخبر عن العبد، وأما نحو: زيد قائما، فتقديره: ثبت قائما يجوز ذكره
وحذفه (وأتمُّ تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحكم)
وأما المواضيع التي يحذف فيها المبتدأ
وجوبا فهي: النعت المقطوع إلى الرفع، نحو: مررت بزيد
النجارُ، أي هو النجارُ. وكذا حيث يكون الخبر مخصوص نعم وبئس، نحو: " نعم أو بئس الرجل عمرٌو "، أي هو عمرو، وحيث يكون
الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل، نحو: (فصبر جميل)، أي
فأمري صبر جميل، وكذا في نحو قولهم: في ذمتي لأفعلن،
والتقدير: في ذمتي يمين.
(وأخبروا
باثنين أو بأكثرا * عن واحد كهم سَراةٌ شُعرا) نحو: محمد مريض مهموم, ومنه قول تعالى: (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد)، ومنه
قول الشاعر:
من يكُ ذا بَتٍّ فهذا بتي * مقَيِّظٌ مُصيِّفٌ
مُشَتِّي.
وقوله: ينام بإحدى مُقلتيه ويتقي * بأخرى
المنايا فهْو يقظان هاجع.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)