تفسير
الكهف 45 تذكير الْمعرضين بما سيحُل بِهم يوم القيامة:
قال تعالى: (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم
مَّوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا،
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ
لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ، وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً * وَمَا
مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا
رَبَّهُمْ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ
الْعَذَابُ قُبُلاً * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ، وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ
الْحَقَّ، وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن
ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ،
إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ
وَقْرًا، وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا *
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا
لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ، بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ
مَوْئِلاً * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا
لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا *) [سورة:
الكهف - الآية: 52-59].
(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ) أي ذكّرْهم بذلك اليوم، أي نادوهم الآن ليشفعوا لكم، وليُنقذوهم
مما أنتم فيه، (الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ) أي الذين اتخذتموهم
آلهة، وزعمتم أنّهم ينفعونكم أو يشفعون لكم من دوني، (فَدَعَوْهُمْ) أي فنادوْهم (فَلَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) إذ لا يُمكن
ذلك (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) أي مَهلِكا، وهو النار التي يشتركون فيها، من وبَق إذا
هلك، قال قتادة: وادٍ في جهنم (وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) أي
أبصروها، وذكَرهم بوصف الإجرام لزيادة تبكيتهم وذمهم وإبعادهم، (فَظَنُّوا) أي أيقنوا وعلموا (أَنَّهُم
مُّوَاقِعُوهَا) أي
واقعون فيها مخالطون لها (وَلَمْ
يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) أي مكاناً
ينصرفون إليه ليَنجُوا منها (وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ) أي كرّرنا فيه الأمثال والمواعظ ليتبعوا الحق، ولكنهم
لم يفعلوا (وَكَانَ الإِنسَانُ
أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي
منازعة وخصومة ومُماراةً بالباطل (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا) أي من الإيمان (إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى) أي القرآن الذي يهديهم إلى الحق وإلى الصراط المستقيم (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) أي مما أسلفوه من الذنوب ويتوبوا إليه (إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) أي سنة الله في الأولين، وهي استئصالهُم وإهلاكهم في
الدنيا (أَوْ يَأْتِيَهُمُ
الْعَذَابُ قُبُلاً) أي عيانا
ومقابلة، أي العذاب الذي ينتظرهم يوم القيامة فيُعايِنوه في الدنيا، أي لم يَمنعهم
من الإيمان إلا طلبُهم أن يأتيهم العذاب، فلذلك
كانوا يستعجلون النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب، كما ذكر الله عنهم: "وإذ
قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا
بعذاب أليم"، وتحرير المعنى: لم يمنعهم من الإيمان إلا العناد، فبدلَ أن
يستجيبوا فينجُوا من العذاب، يُعانِدون فيستعجلون العذاب، فيكون عنادُهم مانعا لهم
من الإيمان (وَمَا نُرْسِلُ
الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ) أي للمؤمنين والمطيعين بالثواب (وَمُنذِرِينَ) أي للكفرة والعصاة بالعقاب، بمعنى: يبشرون وينذرون، وليس عليهم حرَج في
إعراض من أعرض بعد ما بلَّغوا (وَيُجَادِلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) أي ليَمحُوا الحق ويُزيلوه بالباطل (وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا) أي من العذاب (هُزُوًا) أي سخرية واستهزاء، وقرأ الأكثر: "هُزُؤاً" بالهمز (وَمَنْ أَظْلَمُ) الاستفهام بمعنى النفي: أي لا أحدَ أظلمُ (مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا) أي عن سماعها وتدبرها والاتعاظ بِها (وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) أي غفَل عما عمِله من الآثام، ولم يتفكر في عاقبة أمره
(إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً) أي أغطِية (أَن يَفْقَهُوهُ) التقدير على رأي أهل البصرة: كراهةَ أن يفقهوه، وعلى رأي الكوفيين:
لئلاَّ يفقهوه (وَفِي
آذَانِهِمْ وَقْرًا) أي صمَما
وثقلا، أن يسمعوه أو يفققهوه، وهذه هي العلة الحقيقة لإعراضهم، أن الله طبع على
قلوبِهم وأصمّ آذانَهم، (وَإِن
تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) أي لن يهتدوا أبدا، إذْ قد طُبع على قلوبِهم وصُمَّت
آذانُهم، (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ
ذُو الرَّحْمَةِ) أي ذو
الإحسان العظيم إلى عباده، (لَوْ
يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا)
أي من السيئات (لَعَجَّلَ
لَهُمُ الْعَذَابَ) أي ولم يُمهلْهم
لَحْظةً، لعِظَم ما يقترفونه من الكفر والإجرام، (بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ) وهو يوم القيامة، أو عذاب الخزي الذي يَحُل بِهم في الدنيا، كالذي حل
بِهم يوم غزوة بدر، (لَّن
يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً)
أي ملجأً يلجؤون إليه (وَتِلْكَ
الْقُرَى) وهي القرى التي ضرب
الله بِها الأمثال لكفار قريش: كعاد وثمود، وقوم لوط وأصحاب الأيكة، (أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا
لِمَهْلِكِهِم) أي لهلاكهم، وقرأ
الأكثر: "لِمُهْلَكِهِمْ" أي لإهلاكهم، (مَّوْعِدًا) أي وقتا لا يتأخرون عنه ساعة؛ والمقصود: فليحذَروا أن يَحُل ما حل بأهل
القرى من الْخِزي والنَّكال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق