الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

المبتدأ والخبر

مبتدأٌ زيد وعــــــاذر خبرْ * إن قلتَ: زيدٌ عاذرٌ مـن اعتذرْ
وأولٌ مبتدَأٌ والثـــــــاني * فـــاعلٌ اغْنَى في: أسارٍ ذّانِ
وقِسْ وكاستفهامٍ النفيُ وقـــد * يجــوز نحو: فائزٌ أولوا الرشَدْ
والثــانِ مبتداً وذا الوصفُ خبر * إن في سوى الإفراد طِبقا استقرّْ
(مبتدأٌ زيد وعاذر خبرْ إن قلتَ: زيدٌ عاذرٌ من اعتذرْ) ذكر أن الْمُبتدأ قسمان: قسم له خبر، نحو: "الجنة حق"، والقسم الآخر، وهو المبتدأ الذي له فاعل يُغني عن الخبر، أو يسُد مسدَّ الخبر ، وهو المراد بقوله: (وأولٌ مبتدَأٌ والثاني فاعلٌ اغْنَى في: أسارٍ ذّانِ) فالهمزة حرف استفهام، سار مبتدأ، ذان: اسم إشارة فاعل الوصف سد مسد الخبر، ونحوه: أصادق أنتما؟ أمسافرٌ أخواك، كيفَ قادمٌ أنتم؟ غير صادقان أنتما؟ ليس مسافر المحمدان؟ ما قائم هم؟
ومنه قوله: * غيرُ لاهٍ عِداك فاطَّرح اللهوَ ولا تغترِرْ بعارضِ سِلمِ *
ومنه قوله: * أمُنجِزٌ أنتم عهداً وثِقتُ به * أم اقتفيتم جميعا نَهج عرقوبِ *
والمراد بالمثال كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي، ورفع اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وتم الكلام بالمرفوع، فأما نحو قولنا: أصادق أخواك عمرو؟ فصادق: خبر مقدم، وأخواك فاعله، وعمرو: مبتدأ مؤخر.
(وقِسْ) أي وقس على هذا المثال ما أشبهه (وكاستفهامٍ النفيُ) كما تقدم في الأمثلة (وقد يجوز نحو: فائزٌ أولوا الرشَدْ) أي يجوز أن يكون الوصف مبتدأ ويرفع فاعلا يغني عن الخبر، من غير اعتماد على نفي أو استفهام، وهذا مذهب الكوفيين،
ومنه قوله: فخيرٌ نحن عند الناس منكم * إذا الداعي المثوِّب قال يا لا *. أي يا لَفلان، والمثوب: هو الذي يشير بثوبه من بعيد ليرى، لأنه لا يستطيع الإسماع من بعيد.
ومنه قوله: خبيرٌ بنو لِهْب فلا تكُ مُلغيا * مقالة لِهبي إذا الطيرُ مرتِ *. أي إذا زجروا الطير تفاؤلا أو تشاؤما.
(والثانِ مبتداً وذا الوصفُ خبر، إن في سوى الإفراد طِبقا استقرّْ) وذلك نحو: أقائمان الرجلان، أجالسون أنتم؟ وأما نحو: أصادقٌ أنت؟ فيجوز أن يكون صادق مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، ويجوز أيضا أن يكون صادق خبرا مقدما وأنت مبتدأ مؤخرا، وقد يجب أحد الإعرابين حسب السياقات، فمثلا قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم)، يجب فيها الإعراب الأول، فيكون رراغب مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، لأنا إذا جعلنا راغب خبرا مقدما وأنت مبتدأ مؤخرا، لزم عليه الفصل بين راغب ومعموله وهو: "عن آلهتي" بأجنبي، وهو "أنت"، لأن الخبر لا عمل له في المبتدأ.
ورفعــوا مبتداً بالابتدا * كـذاك رفعُ خبر بالمبتدا
والخبر الجزءُ المُتِمُّ الفائدةْ * كاللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة
(ورفعوا مبتداً بالابتدا) يرفع المبتدأ بالابتداء بِه، فيبقى على أصله وهو الرفع، إلا إذا دخلت عليه عوامل لفظية زائدة، فيشتغل المحل بالحركة المناسبة للحرف الزائد عن الضمة، نحو: بحسبِكَ درهمٌ، رب امرأة خير من رجل، (كذاك رفعُ خبر بالمبتدا) يعني أن الخبر يرفع بالمبتدأ، فالعامل فيه لفظي. (والخبر الجزءُ المُتِمُّ الفائدةْ) أي الذي يتم فائدة الكلام (كاللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة) والأيادي هي النعم، أي أن النعم تشهد على إحسانه إلى عباده.

ومفردا يــأتي ويأتي جملة * حاويةً معنى الذي سيقت له
وإن تكن إيـاه معنى اكتفى * بها كنطقي الله حسبي وكفى
(ومفردا يـأتي) أي الخبر نحو: محمد مريض، (ويأتي جملة) نحو: زيد أبوه مريض (حاويةً معنى الذي سيقت له) أي أنه لا بد لها من رابط يربطها بالمبتدأ، كالضمير ظاهرا نحو: زيد مرض أخوه، أو مقدرا نحو: البُرُّ مد بدرهم، أي مد منه، أو بالإشارة: نحو قوله تعالى: (ولباسُ التقوى ذلك خير)، وفي نحو: الحاقة ما الحاقة؟ ونحو: محمد نعم الرجل، أو تكون جملة الخبر هي المبتدأَ في المعنى، وهو المراد بقوله: (وإن تكن إيـاه معنى اكتفى بِها) أي عن الرابط (كنطقي الله حسبي وكفى) أي وكفى به.
والمفرد الجامد فارغ وإن * يُشتَقَّ فهو ذو ضمير مستكن
وأبرزنْه مطلَقا حيثُ تلا * مـــا ليس معناه له محصَّلا
(والمفرد الجامد) نحو: محمد أخوك، (فارغ) أي من الضمير، إلا إذا تضمن معنى المشتق، نحو: محمد أسد، أي شجاع، فإنه يتحمل الضمير، والتقدير: محمد أسد هو، (وإن يُشتَقَّ فهو ذو ضمير مستكن) أي مستتر، نحو: محمد صادق، أي هو، وهو مرفوع به على أنه فاعل أو توكيد للضمير المستتر فيه، وهذا إذا لم يرفع اسما ظاهرا، نحو: محمد صادق أخوه. وأيضا إذا كان المشتق لا يجري مجرى الفعل كاسم الآلة واسم الزمان والمكان، فإنه لا يتحمل الضمير، نحو: هذا مفتاح، من الفتح، هذا مرماك، من الرمي. (وأبرزنْه) أي الضمير (مطلَقا) أي سواء أمن اللبس أو لم يؤمن (حيثُ تلا ما ليس معناه له محصَّلا) أي حيث يجري الخبر على غير من هو له، نحو: محمد فاطمة مُعينها هو، ومحمد علي مرشده هو، فاللبس مأمون في المثال الأول، فيجوز على مذهب  الكوفيين إبراز الضمير واستتاره، وأما في المثال الثاني فلم يؤمن اللبس، فلا يدرى أيهما المرشد للآخر، فلما أبرز الضمير، دل على أن المرشد هو محمد، ولكن مذهب البصريين وجوب إبراز الضمير في كلتا الحالين. قال في الكافية:
وإن تلا غيرَ الــــذي تعلقا * بـه فأبرز الضميرَ مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن * لا يؤمن اللَّبس ورأيهم حس
وقد ورد ما يؤيد مذهبهم، قال الشاعر:
قومي ذُرا المجد بانوها وقد علمتْ * بكُنه ذلك عَدنانٌ وقحطانُ
أي بانوها هم، فحذف الضمير لأمن اللبس.
وأخبروا بظرف اَو بحرف جرّْ * ناوين معنى كائنٍ أو استقرّْ
ولا يكـون اسمُ زمان خبراَ * عن جُثَّةٍ وإن يُفدْ فأخبِرا
(وأخبروا بظرف) نحو: محمدٌ عندَك، (اَو بحرف جرّْ) نحو: محمد في المسجد (ناوين معنى كائنٍ أو استقرّْ) يعني أن الظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف مقدر، وقد يذكر كما في قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده) وقول الشاعر:
لك العزُّ إن مولاك عزَّ وإن يَهُن * فأنت لدى بُحبوحة الهُون كائنُ،
 والبحبوحة: الوسط، وقد يكون هذا المتعلق واجب الذكر إذا لم تدل عليه قرينة.
(ولا يكون اسمُ زمان خبراَ عن جُثَّةٍ) يكون اسم المكان خبرا عن اسم الجثة واسم المعنى معا نحو: محمد عندَك، والمُقام عندك، وأما اسم الزمان فيخبر به عن المعنى نحو: السفر يوم الخميس، ولا يخبر به عن الجثة إلا إذا أفاد، فلا تقول محمد يوم الخميس، (وإن يُفدْ فأخبِرا) يعني إذا أفاد جاز، وذلك حيث يتأول على اسم المعنى، نحو: الليلة الهلال، أي طلوعه.
ولا يجو الابتدا بالنكرةْ * ما لم تُفدْ كعندَ زيد نَمِرةْ
وهل فتًى فيكم؟ فما خِلٌّ لنا * ورجلٌ من الكرام عندنا،
ورغبةٌ في الخير خير، وعملْ * برٍّ يزينُ ولْيُقَسْ ما لم يُقَلْ.
(ولا يجو الابتدا بالنكرةْ) فلا تقول: " رجل قائم "، (ما لم تُفدْ كعندَ زيد نَمِرةْ) يعني إذا أفادت النكرة جاز الابتداء بها، وذلك إذا تقدم عليها الظرف أو الجار والمجرور كما في المثال، ونحو: " في الدار رجلٌ " (وهل فتًى فيكم؟) أي إذا تقدم على النكرة استفهام (فما خِلٌّ لنا) إذا تقدم على النكرة نفي (ورجلٌ من الكرام عندنا) أي رجل كريم عندنا، إذا كانت النكرة موصوفة، وقد يكون الوصف مفهوما كما في " رُجيلٌ عندنا " لأن التصغير يفيد الوصف، ونحو: " شيء جاء بك " أي شيء عظيم، وهذه يفهم منها معنى الحصر، والتقدير: ما جاء بك إلا شيء، وما التعجبية أيضا فيها معنى الوصف، نحو: " ما أحسن زيدا "، أي شيء عظيم أحسنه. (ورغبةٌ في الخير خير) إذا كانت النكرة عاملة (وعملُ برٍّ يزينُ) أي أن تكون مضافة (ولْيُقَسْ ما لم يُقَلْ) أي أن ما لم يذكر من مسوغات الابتداء بالنكرة يقاس على ما ذكر، كأن تكون بتقدير مضاف: نحو: " كل يموت " أي كل مخلوق، وقال الشاعر:
فأقبلت زحفا على الركبتين * فثوبٌ لبست وثوبٌ أجرّْ؛
فالذي سوغ الابتداء بالنكرة هنا التنويع، وروي بالنصب: فثوبا لبست، وقال تعالى: (سلام عليكم) والمسوغ كونها دعاء، ومما يسوع الابتداء بالنكرة مجيئُها في سياق التفضيل نحو: " مؤمن خير من كافر "، ومنها أن تأتي بعد واو الحال، نحو:
سرينا ونجمٌ قد أضاء فمُذْ بدا * مُحيَّاك أخفى ضوؤُه كل شارق؛
ومنها أن تكون معطوفة على معرفة أو على وصف أو يعطف عليها موصوف نحو: " زيد ورجل قائمان "، " يَمَنيٌّ ورجل قائمان " " رجل وامرأة حسناء جالسان "، أو تأتي في جواب الشرط نحو: " إن لم يحضر أخوك فرجل آخر يُعينك "، أو تدخل على النكرة لام الابتداء، نحو: " لرجل قائم "، أو تكون شرطا نحو: " من يقم أقم معه "، أو تأتي بعد لولا، كقوله:
لولا اصطبار لأودى كل ذي مِقَة * لما استقلَّت مطاياهن للظعَن.
والأصل في الأخبار أن تُؤخَّرا * وجوزوا التقديم إذ لا ضرَرا؛
فامنعه حين يستوى الجزآن * عُرْفا ونُكْرا عادمي بيانِ،
كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا * أو قُصد استعمالُه منحصِرا،
أو كان مسنَدا لذي لام ابتدا * أو لازم الصدر كمن لي مُنجِدا.
(والأصل في الأخبار أن تُؤخَّرا) نحو: محمد مريض، (وجوزوا التقديم إذ لا ضرَرا) نحو: " مريض محمد "، " مريضٌ ابنُه محمدٌ "، (فامنعه حين يستوى الجزآن عُرْفا ونُكْرا، عادمي بيانِ) نحو: زيد أخوك، فإذا قلت: أخوك زيد، صار المقدم مبتدأ، وهما مختلفان في المعنى، لأننا في الأول أخبرنا عن زيد أن أخو المخاطب، وفي الثاني أخبرنا عن أخ المخاطب أنه زيد أو اسمه زيد. فإذا قام دليل يدل على أن المقدم خبر جاز نحو قوله:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد،
فبنو أبنائنا هو المبتدأ وإن تأخر، لأن المتكلم قصد الإخبار عن بني الأبناء بأنهم يشبهون الأبناء، وليس العكس. ونحوه قوله:
كلام النبيين الهداة كلامُنا * وأفعالَ أهل الجاهلية نفعل.
فكلامنا هو المبتدأ، والخبر كلام النبيين الهداة.
(كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا) ويكون ذلك رافعا لضمير المبتدأ نحو: " محمد سافر "، فلو قلت سافر محمد صار فعلا وفاعلا، أما لو رفع اسما ظاهرا، جاز نحو: " سافر أخوه محمد ". (أو قُصد استعمالُه منحصِرا) نحو: " ما محمد إلا رسول "، وقد جاء تقديمه في قوله:
فيا رب هل إلا بك النصرُ يرتجى * عليهم وهل إلا عليك المعوَّلُ.
والأصل: هل النصر إلا بك يرتجى، وهل المعول إلا عليك.
(أو كان مسنَدا لذي لام ابتدا) نحو: " لزيد قائم " وقد جاء التقديم شذوذا في قوله:
خالي لأنت ومن جرير خالُه * ينَل العلاء ويكرُم الأخوالا.
(أو لازم الصدر كمن لي مُنجِدا) كأسماء الاستفهام، كقوله:
إذا القومُ قالوا من فتى خِلتُ أنني * عُنيت فلم أكسَل ولم أتبلَّدِ.
ونحو عندي درهمٌ ولي وطَرْ * ملتَزَمٌ فيه تقدمُ الخبرْ،
كذا إذا عاد عليه مُضمَرُ * ممَّا بهِ عنهُ مُبينا يُخبَرُ،
كذا إذا يستوجِب التصديرا * كأين من علِمتُه نصيرا،
وخبرَ المحصور قدمْ أبدا * كما لنا إلا اتباعُ أحمدا.
(ونحو عندي درهمٌ ولي وطَرْ) أي حيث يكون المبتدأ نكرة، ويتقدم عليها الظرف أو الجار والمجرور (ملتَزَمٌ فيه تقدمُ الخبرْ) إذ لا مسوغ للابتداء بالنكرة إلا أن يتقدم عليها الخبر (كذا إذا عاد عليه مُضمَرُ ممَّا بهِ عنهُ مُبينا يُخبَرُ) أي أن يشتمل المبتدأ على ضمير يعود على بعض الخبر، نحو: " في الدار صاحبُها " فلا يجوز هنا تقدم المبتدأ لئلا يعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، فيلتبس المعنى، فإذا قلت مثلا: " رأيت هندا جالسة أما دار وفي الدار صاحبها " كان المعنى صاحب الدار، أما إذا قلت: " رأيت هندا جالسة أما دار وصاحبها في الدار "، وأنت تريد صاحب الدار لا يستقيم المعنى، لأنه يصير: وصاحب هند في الدار، فلذلك لم يجوزوه، (كذا إذا يستوجِب التصديرا: كأين من علِمتُه نصيرا) وذلك كأسماء الاستفهام (وخبرَ المحصور قدمْ أبدا كما لنا إلا اتباعُ أحمدا) ونحو: " ما قائم إلا زيد ".
وحذف ما يُعلم جائز كما * تقول زيدٌ بعد من عندكُما؟
وفي جواب كيف زيدٌ قل دنِفْ * فزيدٌ استُغني عنه إذ عُرفْ.
(وحذف ما يُعلم جائز، كما تقول زيدٌ بعد من عندكُما) والتقدير: زيد عندنا (وفي جواب كيف زيدٌ قل دنِفْ، فزيدٌ استُغني عنه إذ عُرفْ) والتقدير: زيد دنف، أي شديد المرض، ومنه قول الشاعر:
نحن بما عندنا، وأنت بما * عندك راض والرأي مختلف.
والتقدير: نحن بما عندنا راضون.
وبعد لولا غالبا حذفُ الخبرْ * حتمٌ وفي نص يمين ذا استقرّْ،
وبعد واو عينت مفهومَ معْ * كمثل كلُّ صانع وما صنع،
وقبل حال لا يكون خبرا * عن الذي خبره قد أُضمرا:
كضربيَ العبدَ مسيئا وأتمّْ * تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحكم.
وأخبروا باثنين أو بأكثرا * عن واحد كهم سَراةٌ شُعرا.
(وبعد لولا غالبا حذفُ الخبرْ حتمٌ) نحو: لولا زيد لهلكت والتقدير: لولا زيد موجود، وقد ذكر جارا ومجرورا في قوله قوله:
لولا أبوك ولولا قبلَه عمرُ * ألقتْ إليك معَدٌّ بالمقاليد.
فإن لم يدل دليل على الخبر وجب ذكره، نحو: لولا زيدٌ شافع لي ما نجحت. ومنه قول الشاعر:
يذيب الرعب منه كل عَضْب * فلولا الغِمدُ يمسكه لسالا.
 (وفي نص يمين ذا استقرّْ) يعني حيث يكون المبتدأ نصا في اليمين، حيث يستعمل فيه في الغالب، نحو: (لَعَمرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)، أي لعمرك قسمي، ونحوه: يمينُ الله أو عهد الله لأكونن وفيا. (وبعد واو عينت مفهومَ معْ: كمثل كلُّ صانع وما صنع) يعني أن يقع المبتدأ بعد واو هي نص في المعية، نحو: كل رجل وعملُه، أي متلازمان، فهو رهن به، ومثال ما ليس نصا: محمد وعلي قائمان (وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أُضمرا) بحيث يكون المبتدأ مصدرا، أو مضافا إلى مصدر، (كضربيَ العبدَ مسيئا) أي إذ كان مسيئا، فلا يجوز أن تقول مسيء، لأنا أخبرنا عن الضرب ولم نخبر عن العبد، وأما نحو: زيد قائما، فتقديره: ثبت قائما يجوز ذكره وحذفه (وأتمُّ تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحكم)
وأما المواضيع التي يحذف فيها المبتدأ وجوبا فهي: النعت المقطوع إلى الرفع، نحو: مررت بزيد النجارُ، أي هو النجارُ. وكذا حيث يكون الخبر مخصوص نعم وبئس، نحو: " نعم أو بئس الرجل عمرٌو "، أي هو عمرو، وحيث يكون الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل، نحو: (فصبر جميل)، أي فأمري صبر جميل، وكذا في نحو قولهم: في ذمتي لأفعلن، والتقدير: في ذمتي يمين.
(وأخبروا باثنين أو بأكثرا * عن واحد كهم سَراةٌ شُعرا) نحو: محمد مريض مهموم, ومنه قول تعالى: (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد)، ومنه قول الشاعر:
من يكُ ذا بَتٍّ فهذا بتي * مقَيِّظٌ مُصيِّفٌ مُشَتِّي.

وقوله: ينام بإحدى مُقلتيه ويتقي * بأخرى المنايا فهْو يقظان هاجع.

الاثنين، 3 أكتوبر 2016

8

تفسير الكهف 45 تذكير الْمعرضين بما سيحُل بِهم يوم القيامة: 
قال تعالى: (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ، وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ، وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا، وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا * وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ، بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا *) [سورة: الكهف - الآية: 52-59].

(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ) أي ذكّرْهم بذلك اليوم، أي نادوهم الآن ليشفعوا لكم، وليُنقذوهم مما أنتم فيه، (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أي الذين اتخذتموهم آلهة، وزعمتم أنّهم ينفعونكم أو يشفعون لكم من دوني، (فَدَعَوْهُمْ) أي فنادوْهم (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) إذ لا يُمكن ذلك (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) أي مَهلِكا، وهو النار التي يشتركون فيها، من وبَق إذا هلك، قال قتادة: وادٍ في جهنم (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) أي أبصروها، وذكَرهم بوصف الإجرام لزيادة تبكيتهم وذمهم وإبعادهم، (فَظَنُّوا) أي أيقنوا وعلموا (أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا) أي واقعون فيها مخالطون لها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) أي مكاناً ينصرفون إليه ليَنجُوا منها (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ) أي كرّرنا فيه الأمثال والمواعظ ليتبعوا الحق، ولكنهم لم يفعلوا (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي منازعة وخصومة ومُماراةً بالباطل (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا) أي من الإيمان (إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى) أي القرآن الذي يهديهم إلى الحق وإلى الصراط المستقيم (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) أي مما أسلفوه من الذنوب ويتوبوا إليه (إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) أي سنة الله في الأولين، وهي استئصالهُم وإهلاكهم في الدنيا (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً) أي عيانا ومقابلة، أي العذاب الذي ينتظرهم يوم القيامة فيُعايِنوه في الدنيا، أي لم يَمنعهم من الإيمان إلا طلبُهم أن  يأتيهم العذاب، فلذلك كانوا يستعجلون النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب، كما ذكر الله عنهم: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم"، وتحرير المعنى: لم يمنعهم من الإيمان إلا العناد، فبدلَ أن يستجيبوا فينجُوا من العذاب، يُعانِدون فيستعجلون العذاب، فيكون عنادُهم مانعا لهم من الإيمان (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ) أي للمؤمنين والمطيعين بالثواب (وَمُنذِرِينَ) أي للكفرة والعصاة بالعقاب، بمعنى: يبشرون وينذرون، وليس عليهم حرَج في إعراض من أعرض بعد ما بلَّغوا (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) أي ليَمحُوا الحق ويُزيلوه بالباطل (وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا) أي من العذاب (هُزُوًا) أي سخرية واستهزاء، وقرأ الأكثر: "هُزُؤاً" بالهمز (وَمَنْ أَظْلَمُ) الاستفهام بمعنى النفي: أي لا أحدَ أظلمُ (مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا) أي عن سماعها وتدبرها والاتعاظ بِها (وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) أي غفَل عما عمِله من الآثام، ولم يتفكر في عاقبة أمره (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي أغطِية (أَن يَفْقَهُوهُ) التقدير على رأي أهل البصرة: كراهةَ أن يفقهوه، وعلى رأي الكوفيين: لئلاَّ يفقهوه (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) أي صمَما وثقلا، أن يسمعوه أو يفققهوه، وهذه هي العلة الحقيقة لإعراضهم، أن الله طبع على قلوبِهم وأصمّ آذانَهم، (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) أي لن يهتدوا أبدا، إذْ قد طُبع على قلوبِهم وصُمَّت آذانُهم، (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) أي ذو الإحسان العظيم إلى عباده، (لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا) أي من السيئات (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) أي ولم يُمهلْهم لَحْظةً، لعِظَم ما يقترفونه من الكفر والإجرام، (بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ) وهو يوم القيامة، أو عذاب الخزي الذي يَحُل بِهم في الدنيا، كالذي حل بِهم يوم غزوة بدر، (لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً) أي ملجأً يلجؤون إليه (وَتِلْكَ الْقُرَى) وهي القرى التي ضرب الله بِها الأمثال لكفار قريش: كعاد وثمود، وقوم لوط وأصحاب الأيكة، (أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم) أي لهلاكهم، وقرأ الأكثر: "لِمُهْلَكِهِمْ" أي لإهلاكهم، (مَّوْعِدًا) أي وقتا لا يتأخرون عنه ساعة؛ والمقصود: فليحذَروا أن يَحُل ما حل بأهل القرى من الْخِزي والنَّكال.

الأحد، 28 أغسطس 2016

النكرة والمعرفة وأقسام المعارف

النكرة والمعرفة:
نَكِـرةٌ قابِـلُ أَلْ مـؤَثِّـرا     أو واقـعٌ موقِع ما قدْ ذُكِرا،
وغيرُه معرِفـةٌ كهُـمْ وذِي     وهِندَ وابْنِي والغُـلام والذي.
(نَكِرةٌ قابِلُ أَلْ) أي يقبل دخول الألف واللام عليه (مؤَثِّرا) أي وتؤثر فيه الألف واللام، أي التعريف، نحو: جاء رجلٌ، أي غير معروف عند المتكلم والمخاطب، جاء الرجلُ، معروف عندهما، ومثال ما لا تؤثر فيه الألف واللام: عباس والعباس، (أو واقعٌ موقِع ما قدْ ذُكِرا) أي موقع ما تؤثر فيه الألف واللام نحو: "لينفق ذو سَعةٍ من سعته"، فذو هنا نكرة لأنه واقع موقع صاحب، أي صاحب سعة (وغيرُه معرِفةٌ) أي ما سوى ذلك معرفة (كهُمْ) يعني الضمائر (وذِي) أسماء الإشارة (وهِندَ) العلم (وابْنِي) المضاف إلى معرفة، فإذا أضيف إلى نكرة أفادته تخصيصا لا تعريفا كما تقدم في "لينفق ذو سَعةٍ من سعته" (والغُلام) الذي دخلت عليه الألف واللام (والذي) الاسم الموصول، نحو: "رأيت الذي أحبُّ".
أقسام المعرفة: الضمائر:
فمـا لِـذي غَيبةٍ اوْ حضـور    كأنت وهْـوَ سَمِّ بالضمير،
وذو اتِّصـالٍ منه ما لا يُبتـدا    ولا يَلي إلا اختيـارا أبـدا:
كالياء والكاف منَ ابْني أكرمكْ   والياء والها من سليهِ ما ملكْ.
(فما لِذي غَيبةٍ اوْ حضور) أي فما كان دالاًّ على غائب أو حاضر( كأنت وهْوَ سَمِّ بالضمير) أي فهو يسمى بالضمير، (وذو اتِّصالٍ منه) أي الضمائر المتصلة، أي بما قبلها (ما لا يُبتدا) أي لا يبتدأُ بِها (ولا يَلي إلا اختيارا أبدا) أي ولا تأتي بعد إلا في الاختيار، فلا تقول: ما أحببتُ إلاَّكَ، وإنما تقول: إلا إياكَ، وقد جاء في الشعر للضرورة، ومنه قوله: وما نبالي إذا ما كنتِ جارتَنا ـ أن لا يُجاوٍرَنا إلاَّكِ دَيَّارُ*، وقوله: أعوذ برب العرش من فئة بغت ـ فما لي عوضُ إلاهُ ناصرُ* عوض أي قط، (كالياء والكاف منَ: "ابْني أكرمكْ") (والياء والها من "سَلِيهِ ما ملكْ")، وهذه الضمائر تتصل بالأسماء وبالأفعال وبالحروف.
وكلُّ مُضْمَرٍ له البِنـا يَجِـبْ     ولفظُ ما جُرَّ كلفظ ما نُصِبْ،
للرفـع والنصبِ وجَرٍّ نَا صلحْ     كاعْـرِفْ بنا فإننا نلنا المِنَحْ،
وأَلِـفٌ والـواوُ والنونُ لِما     غاب وغيرِه كقاما واعلما.
(وكلُّ مُضْمَرٍ له البِنا يَجِبْ) أي يجب بناؤها، فلا تُعرب كما تقدم في باب الإعراب والبناء (ولفظُ ما جُرَّ كلفظ ما نُصِبْ) يعني تتفق في اللفظ ضمائر الجر المتصلة مع ضمائر النصب، نحو: أكرمكَ، التقى بكَ، أهانهُ، نَكَّلَ بهِ، (للرفع والنصبِ وجَرٍّ نَا صلحْ) أي اختصت "نا" وهي ضمير المتكلمَيْنِ أو جماعة المتكلمِينَ بأنّها يشترك في لفظها المرفوع والمنصوب والمجرور (كاعْرِفْ بنا فإننا نلنا المِنَحْ) أي كما في المثال (وأَلِفٌ والواوُ والنونُ لِما غاب وغيرِه كقاما واعلما) أي اختصت الألف والواو والنون من بين ضمائر الرفع المتصلة بأنّها يشترك فيها المخاطب والغائب، نحو: أكلاَ، كُلا، ركعوا، اركعوا، سجدنَ، اسجُدنَ.
ومن ضمير الرفع ما يستتِرُ    كافعَلْ أُوافقْ نغتبطْ إذ تشكُرُ،
(ومن ضمير الرفع) أي الضمائر المرفوعة (ما يستتِرُ) أي وجوبا (كافعَلْ) يعني ضمير المأمور المخاطَب، وهو ضمير متصل، والدليل على أنه متصل أن أمثاله مما يجوز ظهوره يكون متصلا، نحو: افعلي، افعلاَ، افعلوا، فياء المخاطبة وألف الاثنين وواو الجماعة هنا ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، وإذا قلت افعلا أنتما، فأنتما توكيد للضمير المتصل، وكذا إذا قلت: افعل أنت، فأنت توكيد للضمير المستتر وجوبا، وليس فاعلا (أُوافقْ) يعني ضمير الواحد المتكلم (نغتبطْ) ضمير الاثنين المتكلمَيْنِ أو الجماعة المتكلمِينَ (إذ تشكُرُ) ضمير المخاطَب، فإذا قلت: أوافق أنا، نغتبط نحنُ، تشكر أنت، كان الضمير المنفصل البارز توكيدا للضمير المتصل المستتر وجوبا. ولا يحُل محلَّ المستتر وجوبا اسم ظاهر، فإذا قلت: اجتهدْ محمدُ، فمحمد: منادى مبني على الضم في محل نصب، وليس فاعلا، ومما يوضحه قولك في المضاف: اسجُدْ عبدَ الله، بالنصب.
وذو ارتفاع وانفصالٍ أنا هُو   وأنتَِ والفروع لا تشتَبِهُ.
وذو انتصابٍ في انفصالٍ جُعِلا    إيَّايَ والتفريع ليس مشكلا.
 (وذو ارتفاع وانفصالٍ) يعني الضمير المرفوع المنفصل عما قبله أو بعدَه (أنا) ضمير الواحد المتكلم (هُو) ضمير الغائب المذكَّر، هي، ضمير الغائبة، (وأنتَ) ضمير المخَاطب المذكر، وأنتِ: ضمير المخاطبة، (والفروع لا تشتَبِهُ) يعني بقية الضمائر لا يشبه بعضها بعضا، بخلاف الضمائر المنفصلة المنصوبة فهي متشابِهة، نحن: للاثنين المتكلمَيْنِ، أو الجماعة المتكلِّمِينَ، وللمتكلم المعظِّم نفسه، وأنتُما، للاثنين المخاطبَيْنِ، وهُمَا للاثنين الغائبَيْنِ، وأنتم لجماعة الذكور المخاطَبِينَ، وأنتُنَّ لجماعة المخاطَبات، وهُمْ لجماعة الذكور الغائبين، وهُنَّ لجماعة الغائبات، نحو: هُم القوَّامون وهن القانتات، نحن السابقون وأنتم اللاحقون، هو بذَلَ الجُهد وأنت تجني الثمارَ.
(وذو انتصابٍ في انفصالٍ جُعِلا إيَّايَ) أي مع باقي الفروع (والتفريع ليس مشكلا) لأن هذه الضمائر متشابِهة بخلاف المرفوعة، فهي مركبة من "إيا" مع الضمير المتصل المنصوب أو المجرور، إيايَ للواحد المتكلم، إيَّاكَ: للمخاطَب المذكر، إياكِ للمخاطَبة، إياهُ: للغائب المذكر، والهاء ضمير الغائب المتصل: يكون مضموماً قبلَ سكون أو فتحة أو ضمة، نحو: عنْهُ، لَهُ، لباسُهُ، ويكون مكسورا قبلَ كسرة، نحو: بِِِهِ، وإذا كان قبله ياء ساكنة يكْسَر، نحو: عليهِ، وما أنسانيهِ، وقد يضم، كما في قراءة من قرأ: "بما عاهدَ عليهُ الله" "وما أنسانيهُ إياها: للغائبة، إيانا: للاثنين المتكلمَيْنِ، أو الجماعة المتكلِّمِينَ، وللمتكلم المعظِّم نفسه، إياكما، للاثنين المخاطبَيْنِ، إياهما للاثنين الغائبَيْنِ، إياكم، لجماعة الذكور المخاطَبِينَ، إياكنَّ: لجماعة المخاطَبات، إياهم، لجماعة الذكور الغائبين، إياهن لجماعة الغائبات، نحو: إياك نعبد، لا نعبد إلا إياك.
وفي اختيارٍ لا يجيءُ المنفصِلْ     إذا تاتَّى أن يجـيءَ المتصلْ؛
وَصِلْ أوِ افصِلْ هاءَ سَلْنيهِ وما    أشبهَـهُ في كنتُهُ الخُلفُ انتمى،
(وفي اختيارٍ لا يجيءُ المنفصِلْ إذا تاتَّى أن يجيءَ المتصلْ) نحو: أكرمتكَ، لا نقول فيه: أكرمت إياك في الاختيار، يعني أن ذلك خاص بضرورة الشعر، نحو قوله: بالباعث الوارث الأموات قد ضمِنت ـ إيَّاهُمُ الأرض في دهر الدهارير*، وكان عليه أن يقول: ضمنتهم، ولكن ألجأته ضرورة الشعر.
(وَصِلْ أوِ افصِلْ هاءَ سَلْنيهِ وما أشبهَهُ) أي المفعولَ الثاني للأفعال التي تتعدى إلى مفعولين ليس أصلُهما مبتدأ وخبرا، يجوز فصله ووصله، فنقول: سلنيه، وسلني إياهُ، وأعطيتكهُ، وأعطيتك إياه، كسوتُك إياه، كسوتُكه، ألبستُكهُ، ألبستُك إياه.
وَصِلْ أوِ افصِلْ هاءَ سَلْنيهِ وما   أشبهَـهُ في كنتُهُ الخُلفُ انتمى،
كـذاك خِلْتَنيـهِ واتصـالاَ    أختارُ غيري اختار الاِنفصالاَ.
(في كنتُهُ الخُلفُ انتمى) يعني أن بين العلماء خلافا، إذا دخلت كان على المبتدأ والخبر، وكان الخبر ضميرا، هل يتصل أو ينفصل نحو: كنتهُ، وكنتُ إياه، (كذاك خِلْتَنيهِ) يعني باب ظن وأخواتِها نحو: ظننتُكَهُ، وظننتك إياه، (واتصالاَ أختارُ) وهو الذي جاء في القرآن والحديث، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن يكنهُ فلن تسلط عليه، وإن لا يكنْهُ فلا خير لك في قتله"، وقوله تعالى "إذ يُريكَهم الله في منامك قليلا" (غيري اختار الاِنفصالاَ) يعني بغيره سيبويه، وجاء ذلك في الشعر: نحو قول عمر بن أبي ربيعة: لَئِنْ كان إياهُ لقد حال بعدَنا ـ عن العهد والإنسان قد يتغيرُ* رأتْ رجلاً أما إذا الشمسُ عارضتْ ـ فيَضحَى وأما بالعَشيِّ فيخصَرُ*.
وقَدِّمِ الأخَصَّ في اتصـالِ    وقدمَنْ ما شِئْتَ في انفصالِ،
وفي اتحاد الرتبة الزَمْ فَصلاَ    وقد يُبيحُ الغَيْبُ فيه وَصْلاَ.
(وقَدِّمِ الأخَصَّ في اتصالِ) يعني إذا اجتمع ضميران متصلان منصوبان، وجب تقديم الأخص على غيره، فيقدم المتكلم على المخاطب والمخاطَب عل الغائب، نحو: زوَّجْتنيها، ألبستكَهُ، (وقدمَنْ ما شِئْتَ في انفصالِ) نحو: زوَّجْتَني إياها، زوَّجْتها إياي، أريتُك إياه، أريته إياك،  (وفي اتحاد الرتبة الزَمْ فَصلاَ) إذا كان الضميران للمتكلمين، أو للمخاطبين أو للغائبين وجب الفصل نحو: أعطيتكُما إياك، فلا تقول: أعطيتكماك، أعطيتهُ إياه، ولا تقول: أعطيتهوه، (وقد يُبيحُ الغَيْبُ فيه وَصْلاَ) نحو: أعطيتهموهُ، أعطيتهم إياه.
وقبل يا النفْس معَ الفعل التُزِمْ      نونُ وِقايةٍ وليْسِي قد نُظِـمْ،
وليتـنِي فشـا وليتِي نـذَرا      ومعْ لعلَّ اعكِسْ، وكُنْ مُخَيَّرا
(وقبل يا النفْس) ياء المتكلم (معَ الفعل التُزِمْ نونُ وِقايةٍ) وذلك لوقاية الفعل من الكسر، نحو: أكرمَني (وليْسِي قد نُظِمْ) أي في الشعر، والأصل: ليسني، قال الشاعر: عهدي بقومي كعديد الطَّيْسِ ـ إذْ ذهب القوم الكرامُ ليسي* أي غيري، والطيس: الرمل، (وليتنِي فشا وليتِي نذَرا) وتلتحق نون الوقاية أيضا بالحروف، والكثير في ليت: ليتَنِي، كقوله: "يا ليتنِي كنت ترابا" و"ليتِي" قليل، كقوله: كمُنية جابر إذ قال ليتِي ـ أُصادفه وأتلف جلَّ مالي* (ومعْ لعلَّ اعكِسْ) أي الكثير في لعل: لعلِّي، ومنه قوله: "لعلي أعمل صالحا" و"لعلَّنِي" قليل، ومنه قول الشاعر: فقلتُ أعيراني القدُومَ لعلَّنِي ـ أخُط بِها قبرا لأبيضَ ماجد*، القدوم ما ينجر به الخشب، أراد لينحت به غمدا لسيف.
في الباقياتِ واضطرارا خَفَّفَا     مِنِّي وعنِّي بعضُ مَنْ قـد سَلَفا.
وفي لـدُنِّي لدُنِي قـلَّ، وفي    قدْني وقطْني الحذفُ أيضا قدْ يَفِي.
(وكُنْ مُخَيَّرا في الباقياتِ) أي في باقي أخوات إن، في التحاق نون الوقاية بِهن، فتقول: إنِّي، إنَّنِي، كأنِّي، كأنّنِي، لكنِّي، لكنَّني، علمت أنّي "أنَّنِي" مخطئٌ، (واضطرارا خَفَّفَـا مِنِّي وعنِّي بعضُ مَنْ قد سَلَفا) نحو: هوَ مِنِّي ورغِب عَنِّي، فذكر أن نون الوقاية تلزم من وعن، وهما من حروف الجر، وقد حذفت معهما اضطرارا، ومنه قوله: أيها السائلُ عنهمْ وعنِي ـ لستُ من قيسٍ ولا قيسٌ منِي*. (وفي لدُنِّي لدُنِي قلَّ) ومنه قراءة نافع "قد بلغت من لَدُنِي عذرا".
(وفي قدْني وقطْني الحذفُ أيضا قدْ يَفِي) ومعنى قدنِي وقطْنِي: حسبي أي كافيني، نحو: قطْني واحدة، قط: اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والنون للوقاية، وياء المتكلم ضمير متصل مبنيٌّ على السكون في محل جر مضافٌ إليه، واحدة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. ويجوز أن تقول: قطي واحدة، وفي قدني واحدة، قدي واحدة، ومنه قول  الشاعر: قَدْنِيَ مِن نَصْر الخُبَيْبيْن قدِي ـ ليس الإمامُ بالشحيح الملحِدِ* فـ"قد" و"قط" اسمان بمعنى حسب، تقول: هذا نصيبُك فقطْ: هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ونصيبك: خبر، فقط: الفاء حرف رابط يعطف كلاما على كلام، قطْ: بمعنى حسب: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فنصيبُك قطْكَ، أي حسبُك، أي كافيك.
أقسام المعرفة: العلم:
اِسمٌ يعيِّـنُ الْمُسمَّى مطلقا    علمُه كجعفـرٍ وخِرْنِقَا،
وقَـرَنٍ وعَـدَنٍ ولاحـقِ    وشَـذْقَمٍ وهَيْلَةٍ وواشقٍ.
(اِسمٌ يعيِّنُ الْمُسمَّى مطلقا) أي فيكون معرفة بدون قيد، فمثلا الضمير معرفة بقيد التكلم أو الخطاب أو الغَيبة، واسم الإشارة معرفة بقيد الإشارة، (علمُه) أي العلم، وهو الاسم الذي يعين مسماه بدون قيد، (كجعفرٍ) اسم رجل، نحو: جاء جعفرٌ، فهو معرفة، لأنه معروف عند المتكلم والمخاطَب (وخِرْنِقَا) اسم امرأة، جاءت خرنقُ، والألف في آخر الاسم لإطلاق القافية (وقَرَنٍ) اسم قبيلة (وعَدَنٍ) اسم مكان (ولاحقِ) اسم فرس (وشَذْقَمٍ) اسم جمل (وهَيْلَةٍ) اسم شاة (وواشقٍ) اسم كلب.
وَاسْمًـا أتى وكُنْيـةً ولَقبـا     وأخِّـرَنْ ذا إن سـواه صَحبا.
وإن يكـونا مُفرَدَيْن فأضِـفْ     حتمـا وإلا أتبع الـذي رَدِفْ،
 (وَاسْمًا أتى) نحو: جاء جعفر، وهو غير ما يأتي بعده (وكُنْية) وهو ما كان في أوله أب أو أم، نحو دخل أبو مروان فغضِب على أم مروان، وإنما قيل له كنية، لأن فيه معنى الكناية، لأننا لم نذكره باسمه ولكن بالكناية عنه بأنه أبو أحد أبنائه، وهو في الغالب أكبر أولاده الذكور أو أشهرهم، وتجوز التكنية بالأنثى: كأبي عائشة (ولَقبا) وهو ما فهم منه المدح أو الذم، نحو: الأمين، والصديق، والسفاح، (وأخِّرَنْ ذا إن سواه صَحبا) أي أخر اللقب إذا صحب الاسم أو الكنية نحو: جاء محمدٌ الأمين ومعه أبو بكر الصديق. وهذا ليس بلازم، فكما تقول: جاء عمر الفاروق، تقول: جاء الفاروق عمر، وتقول: جاء الصديق أبو بكر أو أبو بكر الصديق. وفي الشعر: أبْلغْ هُذيلا... بأنّ ذا الكلْب عَمْرا خيرَهم حَسَبا ـ ببطن شِرْيانَ يَعْوي حوله الذِّيبُ *.
(وإن يكونا مُفرَدَيْن) أي اللقب والاسم (فأضِفْ حتما) أي أضيف الاسم إلى اللقب، نحو قولهم: جاء سعيدُ كُرزٍ، والكُرزُ خُرجُ الراعي، وهذا على مذهب البصريين، والكوفيون يجوزون: جاء سعيدٌ كُرزٌ، (وإلا أتبع الذي رَدِفْ) كأن يكونا مركبين أو يكون أحدهما مركبا، نحو: جاء عبدُ اللهِ كُرزٌ، أو يزيدُ زَيْنُ العابدين، أو تدخل على أحدهما الألف واللام، نحو: جاء العباسُ كرزٌ، جاء محمد الأمينُ، فهو هنا: صفة له أو عطف بيان، يُتبَع، ويجوز قطعه إلى النصب أو الرفع، نحو: التقيت بعبد الله زينُ العابدين، أو زينَ العابدين، فالأول على إضمار المبتدأ، أي هو زينُ العابدين، والثاني على إضمار الفعل، أي أعني زينَ العابدين.
ومنه منقولٌ كفَضْـلٍ وأسَـدْ    وذو ارْتجـالٍ كسُعادَ وأُدَدْ،
وجُملـةٌ وما بمَـزْجٍ رُكِّبـا     ذا إنْ بغيـرِ وَيْـهِ تمَّ أُعرِبا.
(ومنه منقولٌ) أي من غير العلم، فهو مستعمل في غير العلمية ثم نقل إليها، (كفَضْلٍ) أي من مصدر، نحو: جاء الفضلُ،  (وأسَدْ) أي اسم جنس نحو: رأيت أسدًا، تريد رجلا بعينه، (وذو ارْتجالٍ) أي لم يستعمل في غير العلمية (كسُعادَ وأُدَدْ) نحو: رأيت سعادَ ومعها أُدَدُ، (وجُملةٌ) نحو: رأيت تأبَّطَ شرا، وهو شاعر جاهلي، وكان قد خرج من بيته فعلق سيفه على كتفه، فسئلت عنه أمه، فقالت: تأبط شرا وخرج، فلقِّب به من يومها (وما بمَزْجٍ رُكِّبا) أي مزج فيه بيم اسمين فركبا نحو: زرتُ بعلبكَّ، جاء مَعْدِيكَرِبُ، (ذا إنْ بغيرِ وَيْهِ تمَّ أُعرِبا) أي أعرب إعراب غير المنصرف، بالضمة رفعا والفتحة نصبا والفتحة نيابة عن الكسرة جرا، فإذا كان في أخره "ويْهِ" بني، نحو: جاء سيبويهِ.
وشاع في الأعْـلام ذو الإضافةْ      كعبـدِ شمسٍ وأبي قُحـافَةْ.
ووضعوا لبعـض الاَجْناس علمْ     كعلمِ الأشخاص لفظا وهْو عَمّْ،
مـن ذاك أمُّ عِـرْيَطٍ للعقربِ     وهكـذا ثُعـالةٌ للثعـلبِ،
ومثـلُـه بَــرَّةُ للمبَــرَّةْ    كــذا فَجـارِ علمٌ للفَجْرةْ.
(وشاع في الأعْلام ذو الإضافةْ) أي المركب من اسمين أضيف أحدهما إلى الآخر (كعبدِ شمسٍ وأبي قُحافَةْ) ونحو: جاء عبد الله، (ووضعوا لبعض الاَجْناس علمْ) أي علما، وُقف عليه بالسكون على لغة ربيعة (كعلمِ الأشخاص لفظا) أي حكم علم الجنس كحكم علم الشخص من جهة اللفظ (وهْو عَمّْ) أي أن علم الجنس يعم جميع أفراد جنسه، نحو: جاء أسامةُ، أي الأسد، فيصدق على كل أسد، وهذا هو الحكم المعنوي الذي يختلف فيه مع علم الشخص (من ذاك أمُّ عِرْيَطٍ للعقربِ) لكل عقرب (وهكذا ثُعالةٌ للثعلبِ) كل ثعلب (ومثلُه بَرَّةُ للمبَرَّةْ) أي العمل الخيري، وهذا علم المعنى، وحكمه كحكم علم الجنس (كذا فَجارِ علمٌ للفَجْرةْ) أي من الفجور، مبني على الكسر.
أقسام المعرفة: اسم الإشارة:
بذا لِمُفْـرَد مـذكَّر أشِـرْ    بذِي وذِهْ تِي تَا على الأُنثى اقتَصِرْ
وذان تـان للمثنَّى المرتَفِـعْ    وفي سـواه ذَيْنِ تَيْنِ اذكُرْ تُطِعْ؛
وبأُوْلَى أَشِـرْ لجمـعٍ مُطلَقا    والمـدُّ أَوْلى ولـدى البُعد انطِقَا
(بذا لِمُفْرَد مذكَّر أشِرْ) نحو: ذا عملُك، (بذِي وذِهْ تِي تَا على الأُنثى اقتَصِرْ) نحو: ذي أختُكَ، ذِهِْ مدرستي، تي صورتُك، تا ابنتُك، (وذان تان للمثنَّى المرتَفِعْ) أي المرفوع، نحو: ذان ابناك، للمذكر وتان ابنتاك، للمؤنث (وفي سواه ذَيْنِ تَيْنِ اذكُرْ تُطِعْ) أي تطع من وضعوا قوانين اللغة، أي في المنصوب والمجرور، نحو: مررت بذَيْنِ، رأيتُ تَيْنِ، (وبأُوْلَى أَشِرْ لجمعٍ مُطلَقا) أي المذكر والمؤنث، وفي حال النصب والرفع والجر، نحو: أولى بنوك، (والمدُّ أَوْلى) أي أولاء، وهو الأكثر استعمالا، نحو: رأيتُ أولاءِ.
وبأُوْلَى أَشِـرْ لجمـعٍ مُطلَقـا     والمدُّ أَوْلى؛ ولدى البُعد انطِقَا
بالكاف حرفا دونَ لام أوْ مَعَهْ    واللامُ إنْ قـدَّمتَ هـا ممتنِعةْ.
(ولدى البُعد انطِقَا بالكاف حرفا دونَ لام) نحو: ذاك ابنُك، (أوْ مَعَهْ) أي مع اللام، نحو: ذلك ابنُك، أي "ذالك" تكتب خطا بغير ألف. (واللامُ إنْ قدَّمتَ ها ممتنِعةْ) تتقدم "ها" أسماء الإشارة للتنبيه، نحو: هذا، هذه، هؤلاء، هذان، هاتان. وذكر هنا أن علامة البعيد دخول الكاف أو الكاف مع اللام؛ وهو كما قال، إلا أنّه إذا ذكر في الكلام متوسط بين البعيد والقريب أشير إليه بذاك، وإلى البعيد بذلك، نحو: ذا ابني، وذاك ابنك، وذلك ابنُ أخيك. وذكر أنه إذا دخلت ها التنبيه على أسماء الإشارة امتنع دخول اللام عليها، فلا تقول: هذالك، وإنما: هذاك، نحو قوله: رأيت بني غَبْراءَ لا ينكرونني ـ ولا أهل هذاك الطِّراف المُمَدَّدِ*
وبِهُنـا أو هَهنـا أشـرْ إلى      داني المكان وبه الكافَ صِلاَ
في البُعْـدِ أو بثَـمَّ فُهْ أو هَُناَّ     أو بِهنـالك انطِقَـنْ أو هِنَّا
(وبِهُنا أو هَهنا أشرْ إلى داني المكان) أي المكان القريب، نحو هنا أقيمُ، فهنا اسم إشارة ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه، متعلق بأقيم، منصوب به، (وبه الكافَ صِلاَ في البُعْدِ) نحو: هناك تُقيمُ، (أو بثَمَّ فُهْ) نحو قوله تعالى: "وإذا رأيت ثَمَّ رأيت نعيما وملكا كبيرا" (أو هَُناَّ أو بِهنالك انطِقَنْ أو هِنَّا) والأكثر استعمالا: هناك وهنالك وثَمَّ، إلا أنه إذا ذكر في الكلام مكان متوسط بين القريب والبعيد، أشير إلى المتوسط بِهناك، وإلى البعيد بِهنالك، نحو: هنا أقيم، وهناك تُقيمُ، وهنالك يُقيم أخوك.
أقسام المعرفة: الاسم الموصول:
موصولُ الاَسماء الذي الأُنثى التي   واليـا إذا ما ثُنِّيا لا تُثْبِتِ،
بل مـا تَليـه أَوْلِـهِ العلامَـةْ    والنونُ إن تُشْدَدْ فلا ملامةْ،
والنـونُ من ذيـنِ وتَينِ شُدِّدا    أيضا وتعْويضٌ بذاكَ قُصِدا.
(موصولُ الاَسماء الذي) أي للمذكر، نحو: الذي رأيتَ أخي، (الأُنثى التي) نحو: التي في البيت أختي، (واليا إذا ما ثُنِّيا لا تُثْبِتِ) فلا تقول اللذيان، وإنما اللذان واللتان، (بل ما تَليه أَوْلِهِ العلامَةْ) أي أول العلامة ما تليه الياء، والمراد بالعلامة ألف التثنية، أولها الذال والتاء، نحو: اللذان تراهما محمد وخالد، مررت باللتين رأيتهما بالأمس، (والنونُ إن تُشْدَدْ فلا ملامةْ) نحو: اللذانِّ، واللتينِّ، (والنونُ من ذينِ وتَينِ شُدِّدا أيضا) أي من اسم الإشارة للمثنى، نحو: ذانِّ رجلان، انظر إلى تينِّ المرأتين (وتعْويضٌ بذاكَ قُصِدا) أي قصد من التشديد تعويض المحذوف.
جمعُ الذي الأُلَى الـذِينَ مُطلقا     وبعضهم بالواو رفعا نطَقا،
باللاتِ واللاءِ التي قـد جُمِعا     واللاءِ كالذيـن نزرا وقعا.
(جمعُ الذي الأُلَى الذِينَ مُطلقا) أي للعاقل وغيره وللمنصوب والمجرور والمرفوع نحو: جاء الذين أحبهم، التقيت بالألى ذكرتَهم، وقد يستعمل الألى في المؤنث، نحو: محا حبُّها حبَّ الألى كنَّ قبلها ـ وحلت مكانا لم يكن حُلَّ من قبلُ*، (وبعضهم بالواو رفعا نطَقا) نحو قوله: نحن الذون صبَّحوا الصباحا ـ يومَ النُّخيل غارة ملحاحا* (باللاتِ واللاءِ التي قد جُمِعا) نحو: جاءت اللائي تنتظرهن، بإثبات الياء أو حذفها، (واللاءِ كالذين نزرا وقعا) أي قليلا، نحو: فما آباؤنا بأمنَّ منه ـ علينا اللاءِ قد مهدوا الحجورا*
ومنْ وما وأل تُساوي ما ذُكرْ      وهكذا ذو عند طَيِّئٍ شُهِرْ،
وكالّتي أيضا لـديهم ذاتُ       وموضعَ الَّلاتي أتى ذواتُ.
ومثلُ مَا ذَا بعد مَا استفهـامِ      أو مَنْ إذا لم تُلْغَ في الكلامِ.
 (ومنْ وما وأل تُساوي ما ذُكرْ) فتصلح للمفرد والمذكر وغيرهما، فتقول: أحب من يذكر الله، ومن تذكر، ومن يذكران، ومن يذكرون، ومن يذكُرْنَ، أحب الذاكر، والذاكرة، والذاكرَيْنِ، والذاكرِينَ، والذاكرات، وأما ما فهي تستعمل كثيرا في غير العاقل، نحو: "افعل ما أمرك الله به"، ومن استعمالها في العاقل قوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ومن استعمال من لغير العاقل قول الشاعر: أَسِربَ القطا هل منْ يُعير جناحه؟ (وهكذا ذو عند طَيِّئٍ شُهِرْ) يستعملون "ذو" اسم موصول، كقول الشاعر: فحسبي من ذو عندهم ما كفانيَا*، فتقول: أحب ذو يذكر الله، وذو يذكرون، وذو تذكر، (وكالّتي أيضا لديهم ذاتُ وموضعَ الَّلاتي أتى ذواتُ) فتقول أيضا: أحب ذاتَ تذكر، وذواتا تذكران، وذوو يذكرون، وذواتِ يذكرْن.
(ومثلُ مَا ذَا بعد مَا استفهامِ أو مَنْ) أي أن "ذا" إذا جاءت بعد "ما" أو "من" الاستفهاميتين تكون اسم موصول، بلفظ واحد للمذكر والمفرد وغيرهما، نحو: ما ذا تنتظر؟ أي ما الذي تنتظر،  من ذا يحبُّك؟ أي من الذي يحبك، من ذا تحبها؟ أي من التي تحبها، من ذا تحبهما، تحبهنَّ؟ (إذا لم تُلْغَ في الكلامِ) أي إذا لم تجعل ذا مع ما أو من كلمة واحدة للاستفهام، نحو: ماذا تنتظر؟ فـ"ماذا" يجوز أن تكون اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم، ويجوز أن تكون "ما" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و"ذا" اسم موصول في محل رفع خبر، وتنتظر جملة فعلية صلة للموصول، والعائد على الموصول محذوف جوزا تقديره: تنتظره، ويقال نفس الشيء في من ذا يحبك.
وكلُّها يلـزَم بعدَهُ صِلَـةْ     عـلى ضميرٍ لائقٍ مُشتمِلةْ،
وجُملةٌ أو شِبْهُها الذي وُصِلْ    به كَمَنْ عندِي الذي ابنُه كُفِلْ.
وصِفةٌ صريحـةٌ صلـةُ ألْ      وكـونُها بمعرب الأفعال قـلّْ.
 (وكلُّها يلزَم بعدَهُ صِلَةْ) أي بعد هذه الأسماء، نحو: جاء الذي أحبه، فجملة أحبه صلة للذي، (على ضميرٍ لائقٍ مُشتمِلةْ) وهو العائد على الموصول، نحو: جاء الذي أحبه، (وجُملةٌ أو شِبْهُها الذي وُصِلْ به) والمراد بشبه الجملة الظرف أو الجار والمجرور، جاء الذي عندك، جاء الذي في الدار، فهما متعلقان بمحذوف أي الذي جلس عندك، والذي استقر في الدار (كَمَنْ عندِي الذي ابنُه كُفِلْ) مثال لما تقدم.
(وصِفةٌ صريحةٌ صلةُ ألْ) وهي اسم الفاعل نحو: جاءني الذاكر ربَّه،  واسم المفعول نحو: جاءني المجهولُ نَسبُهُ، أو صفة مشبهة نحو: جاءني الطيبُ الأفعال، أي الذي يذكر ربه، والذي يُجهل نسبه، والذي طابت فِعاله، (وكونُها بمعرب الأفعال قلّْ) لأن أل من خصائص الأسماء، كما تقدم في باب صفات الاسم "بالجر والتنوين والندا وأل"، فدخولها على الأفعال على خلاف الأصل، وقد جاء في الشعر شذوذا ومنه قول الشاعر: ما أنت بالحكَم التُّرضَى حكومتُه ـ ولا الأصيل ولا ذي الرأيِ والجَدَلِ. أي الذي ترضى حكومته. وقول آخر: من القوم الرَّسولُ الله منهم ـ لهم دانت رِقابُ بني مَعَدِّ*. أي الذين رسول الله منهم.
أيٌّ كما وأُعربتْ ما لم تُضَفْ    وصدرُ وصلها ضمير انحذَفْ،
وبعضهُم أعرب مطلقا وفي      ذا الحذف أيا غيرُ أيٍّ يقتفي.
إنْ يُستطَلْ وَصْلٌ وإن لم يُستطَلْ   فالحذف نزْرٌ وأبوْا أن يُخْتَزلْ،
إن صلَح الباقي لوصْلٍ مُكمِلِ    والحذف عندهم كثيرٌ منجَلي.
في عـائد متصل إن انتصبْ     بفعلٍ اوْ وَصف كمن نرجو يهبْ،
 (أيٌّ كما) أيٌّ من الأسماء الموصولة، وهي كـ"ما" بلفظ واحد للمذكر والمفرد وغيرهما، (وأُعربتْ ما لم تُضَفْ وصدرُ وصلها ضمير انحذَفْ) أيٌّ تعرب غيرَ مضافة، نحو: رأيتُ أيًّا أشدُّ كفرا، التقيت بأيٍّ هو أطيبُ كلاما، فإذا أضيفت أعربت إذا لم يحذف ضمير الصلة، رأيتُ أيَّهم هو أحسن خلقا، فإذا أضيفت وحذف ضمير الصلة بُنيت على الضم، نحو: رأيت أيُّهم أحسنُ خلقا، ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا)، ولوكان "أيهم هو" لنصب بالفتحة. (وبعضهُم أعرب مطلقا) أي بعض العرب، فيقول: رأيت أيَّهم أحسن خلقا، ومنهم قول الشاعر: إذا لقيت بني مالك ـ فسلمْ على أيِّهم أفضلُ*.
(وفي ذا الحذف أيا غيرُ أيٍّ يقتفي إنْ يُستطَلْ وَصْلٌ) يعني أن غير أيٍّ من الأسماء الموصولة كأي في جواز حذف العائد على الموصول إذا طالت الصلة، نحو: جاء الذي حسنٌ وجهُه، والتقدير: الذي هو حسن، (وإن لم يُستطَلْ فالحذف نزْرٌ) أي قليل، نحو: جاء الذي هو قائم، يقال فيه: جاء الذي قائم، ولكنه قليل، لأن الصلة قصيرة، (وأبوْا أن يُخْتَزلْ، إن صلَح الباقي لوصْلٍ مُكمِلِ) نحو: جاء الذي هو ابنه ناجح، فلو قلت: جاء الذي ابنه ناجح، صح الكلام بلا تقدير، فلذلك لا يجوز حذف صدر الصلة في هذه الحالة.
(والحذف عندهم كثيرٌ منجَلي في عائد متصل إن انتصبْ بفعل) نحو: جاء الذي أحب، أي أحبه، (او وَصف) نحو: الكتابُ الذي أنا مُعطيك مفيد، أي معطيكَهُ، (كمن نرجو يهبْ) أي من نرجوه يهبُ، أي يعطي.
كذاك حذفُ ما بوصف خُفضا   كأنت قاضٍ بعد أمر من قضى،
كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرّْ   كمُـرَّ بالذي مررتُ فهْوَ بَـرّْ.
(كذاك حذفُ ما بوصف خُفضا كأنت قاضٍ بعد أمر من قضى) أي كقوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض) أي قاضيه، (كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرّْ كمُرَّ بالذي مررتُ فهْوَ بَرّْ) أي بالذي مررت به، فإن اختلف حرفا الجر لم يجز، نحو: رغِبتُ في الذي رغبتَ عَنه، مررتُ بالذي أشفقت عليه.
أقسام المعرفة: المعرف بأل:
ألْ حرف تعريف أو اللام فقطْ    فنمَطٌ عرَّفْتَ قلْ فيه النمطْ.
وقـد تُـزاد لازما كاللاتِ    والآنَ والــذينَ ثم اللات،
 ولاضطرار كبنات الأوبَـرِ  كذا وطِبْتَ النفسَ يا قيسُ السَّرِي
 (ألْ حرف تعريف) على أن الهمزة في أولها همزة قطع، وإنما صارت همزة وصل في الاستعمال (أو اللام فقطْ) على أن الهمزة للوصل أتي بِها للتوصل للنطق بالساكن (فنمَطٌ عرَّفْتَ قلْ فيه النمطْ) والنمط ضرب من البُسُط، فإذا قلت: جاء رجل، فهو غير معروف عند المتكلم والمخاطب، وإذا قلت جاء الرجل، فهو معروف عندهما، ولو ادِّعاءً، (وقد تُزاد لازما كاللاتِ) اسم صنم، وأصله رجل كان يلت السويق للحاج، (والآنَ) أي الوقت الحاضر، وهو مبني على الفتح عند أكثر النحاة، أو منصوب ملازم للنصب، وهو الذي يرجحه النظر (والذينَ ثم اللات) من أسماء الموصول كما تقدم.  
(ولاضطرار كبنات الأوبَرِ) يعني وتزاد أل اضطرارا نحو قول الشاعر: ولقد جنيتُك أكْمُؤاً وعساقلاً ـ ولقد نَهيتُك عن بنات الأوبر* وأصلها بنات أوبر، وزاد أل للضرورة، وبنات أوبر ضرب من الكمأة، والكمأة نبت، والعساقل نوع من الكمأة (كذا وطِبْتَ النفسَ يا قيسُ السَّرِي) أي الشريف، قال الشاعر: رأيتك لما أنْ عرفتَ وُجوهَنا ـ صددْتَ وطِبْتَ النفسَ يا قيسُ عن عمْرِو*، والأصل: طبتَ نفساً، وهو تَمْييز منقول من الفاعل، وأصله طابت نفسك.
وبعضُ الاَعلام عليهِ دخـلا    لِلَمح ما كان عنه نُقلاَ،
كالفضل والحارث والنعمان    فذكـرُ ذا وحذفُهُ سِيَّانِ.
(وبعضُ الاَعلام عليهِ دخلا لِلَمح ما كان عنه نُقلاَ) يعني تدخل أل على بعض الأعلام للمح الأصل المنقول عنه، (كالفضل) مصدر (والحارث) أي الذي يحرث، فإذا لُمح المعنى الذي نقل عنه، وهو كونه صاحب فضل، أو كان يحرث، جيء بأل وإلا فلا (والنعمان) اسم للدم (فذكرُ ذا وحذفُهُ سِيَّانِ) يعني أنه يجوز الإتيان بأل سواء لُمح الأصل أو لم يلمح الأصل، ولكن الأصل أن أل يؤتى بِها إذا لُمِح الأصل.
وقـد يَصيـر علمـا بالغـلبَةْ    مُضافٌ اوْ مصحوبُ أل كالعقَبةْ.
وحذْفَ أل ذي إنْ تُنادِ أو تُضف     أوجبْ وفي غيرهما قد تنحذفْ.
(وقد يَصير علما بالغلبَةْ مُضافٌ) كابن عمر وابن عباس، يُراد بِهما من اسمه عبد الله من أبناء عمر والعباس (اوْ مصحوبُ أل كالعقَبةْ) فهي غالبة على العقبة التي بايع فيها الأوسُ والخزرجُ رسولَ الله K على النصرة والإيواء، وكذا المدينة غلب استعمالها في مدينة رسول الله K، (وحذْفَ أل ذي إنْ تُنادِ أو تُضف أوجبْ) أي أن أل هذه تحذف وجوبا عند الإضافة والنداء، نحو: يا غلامُ، هذا كتاب محمد، (وفي غيرهما قد تنحذفْ) أي شذوذا في غير النداء والإضافة، كقولهم: هذا عَيُّوقُ طالعا، أي نجم العيوق، والأصل: هذا العيوق طالعا.